رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السادس عشر)
وفي بيت الجدة عليّة جاء محمد من الخارج تواً فجاءته جدته قائلة :لماذا تأخرت هكذا يا محمد ؟
محمد :معذرةً جدتي ،لكن أبي قد سافر وكنت في المحل بدلاً منه.
عليّة :امممممممم ! أبوك يسافر ويترك كل شيء ! يتركك أنت تشقي مكانه ، ويترك أختك الموكوسة تخرج كما تشاء.
محمد بفجأة :ماذاااااا ؟!! ماذا تقصدين ؟
عليّة :إصعد وأحضرها من شعرها وربيها من جديد، الهانم أختك تتسلل وتفتح الباب وتذهب لأمها الساقطة.
فهب محمد غاضباً :ماذاااا ؟!!!! تصعد لمن ؟!! لماذااا ؟!! كنا قد إنتهينا من هذا الأمر من زمن.. لماذا اليوم ؟!! إطمأني جدتي كل شيء سيكون على ما يرام.
وانطلق محمد بغضبه الحارق هذا متجهاً لشقة أمه يدق الباب بقوة يكاد يكسره ففزعت مريم فأهدأتها ليلى ونهضت بصعوبة تتجه لتفتح الباب وتجاهد نفسها لتخفي ما بها أمامهما.
فتحت ليلى الباب و وقفت أمام إبنها الذي أشاح بوجهه عنها فأغمضت عينها تخفي ألمها من تجاهله لها وسوء معاملتها.
محمد :من فضلك أريد أختي.
ليلى:ألقي السلام أولاً !
محمد:أنا هنا لآخذ أختي فقط، ناديها بالتي هي أحسن.
وهنا صرخت مريم واختبأت خلف أمها تستغيث به :سيضربني أمي.
ليلى:ماذا ؟!!!! يضربك ! ليس من حقك.
محمد:هي ليست فوضى ،ومريم لها أب وأخ على وجه الدنيا وسنربيها.
ليلى: آااااااااااه ! تربيها ؟!! إذهب وربي نفسك أولاً ! أتعايرني يا إبن بطني ؟!! ليس ذنبي أن أبي تُوفيّ قبل ولادتي فلم أراه ولم أعي عليه ، وليس ذنبي أن ليس لي إخوة ، لكني قد تربيت وأُحسنت تربيتي لأني قد تربيت على مراقبة الله والخشية منه وهو الذي لا يخفى عليه دبة النملة الصغيرة في ليلة شديدة الظلمة وليس من الخلق ، أتريد ضرب أختك ؟!! هكذا تربيها يا أبله ؟! البنت يلزمها الحضن والحنان لأنها إن لم تجدهم داخل البيت ستبحث عنهم بالخارج.
محمد : أريد أختي.
مريم:ما خطبك ؟!! ألا تشعر أو تحس ؟!! ألا ترى هيئتها إنها مريضة !
ليلى:مريم كفى ! اسمع يا هذا إن مددت يدك على أختك يوماً فسأغضب عليك حتى لو في قبري، وإنتبه أن اليُتم يُتم الأم ، وأنت ستعيش بلا أبٍ ولا أم لأن الأب غير موجود.
محمد:هل إنتهيتي ؟!! هيا يا مريم تحركي !
مريم:لن أذهب معك.
محمد :بل ستذهبي باللين أو عنوة.
ودخل محمد منقضاً عليها ليأخذها بالقوة وكانت ليلى تقف بالكاد وتحاول أن تفصل بينهما وتصده عن مريم والإمساك به لكن قد خارت قواها سقطت أرضاً مغشياً عليها.
صرخت مريم :أمي ! أمي ! ألم أقُل لك أنها مريضة وأنت لم تنتهي.
فجلسا بجوارها أرضاً يحاولان إفاقتها لكن بلا جدوى ، وتفاجأ محمد بمرضها الشديد لابل قد كان ظاهراً للغاية كضوء النهار، فوجهها الشاحب وعيناها غائرتين ، كانت تترنح وتقف بالكاد ، بل كانت تتحدث وتغمض بعيناها أو تجز على أسنانها لتخفي ذلك الألم الشديد عنه.
محمد:وماذا بعد ؟! ماذا نفعل ؟!!! ربما رقم هاتف الطبيب وسط تلك الأشعات ؟!!!!
مريم :بل سأتصل بخالتي منى مؤكد أنها تعرف.
وبالفعل اتصلت مريم بمنى عدة مرات وكانت لا ترد عليها حتى أخيراً قد ردت بحدة : نعم ماذا تريدي؟
مريم:خالتي ! أمي قد سقطت مغشياً عليها ولا تستجيب أبداً ، أنجديني !
منى بلهفة :حسناً حسناً، سأجيء حالاً.
أغلقت مني الخط وذهبت لتبدل ملابسها سريعاً فوجدت إبنها وقد جاء تواً.
منى :إياد ! هل وصلت وحدك أم بصحبة خالك ؟!!
إياد :خالي قد وصلني تواً.
منى: اتصل به ليعود فوراً ، ليلى فقدت وعيها من جديد.
فاتصل إياد بخاله وأخبره بما حدث وعاد حسام بالفعل على الفور وذهبوا جميعهم لبيت ليلى.
إياد هو إبن منى وحديث التخرج من كلية الطب وملازم لخاله فهو يكتسب من خبراته ويتخذه مثله الأعلى ويود لو يتخصص نفس تخصصه وقد بدأ في دراساته العليا في ذلك التخصص.
إياد يشبه في ملامحه لخاله أما في جسده فهو عريضٌ أكثر و رياضي فيشبه أبيه فقد إعتاد أن يلعب ألعاباً قتالية بجانب السباحة فغيّرت من هيئة جسده تماماً.
وصلوا لبيت ليلى و وقف حسام يفحصها وبجواره إياد الذي يركز بدقة في كل ما يفعله خاله ويناقشه بمصطلحاتٍ طبية باللغة الإنجليزية ثم إتصل حسام بالمستشفى لتحضر سيارة إسعاف مجهّزة فوراً.
أسرعت مريم لتبدل ملابسها لتذهب معهم ، وبالطبع قد سألت الجدة فأخبراها بما حدث وسيذهبان معها للمستشفى فلم تعلّق لكنها لم تصدّق وظنّت أنها خدعة منها ليعودا إليها.
صممت مريم وركبت مع أمها في سيارة الإسعاف حتى وصلوا إلى المستشفي و وضعت ليلى في العناية المركزة و وُصّل جسدها بأسلاكٍ بأجهزةٍ طبية ، وطلب حسام من الممرضات بعض الأدوية و أملاهم تعليماته التي ستنفذ بالضبط دون أي تقصير.
ثم خرج حسام وإياد والتفت حسام نحو مريم ومحمد وأشار لهما قائلاً:أريدكما اتبعاني !
فذهبا خلفه حتى مكتبه ودخلوا .
مريم:مم تشكو أمي ؟!!
حسام:أمك مريضة جداً.
محمد: وما الجديد ؟!! بالطبع مريضة و بالأمارة قد حُجزت في العناية المركزة ، هي تسأل مما تشكو.
فنظر إليه حسام مستنكراً ولم يرد عليه ثم إستدار لمريم التي تجهش بكاءً ثم قال لها:لماذا تبكين الآن ؟! لم أقل شيئاً بعد ، إهدئ حتى أتمكن من الحديث.
وهنا دخلت عليهما منى وصاحت فيهما :قد إرتاحتما الآن ، إفرحوا إفرحوا سترتاحون أكثر وأكثر.
فصاح فيها حسام : منى ! الوضع لا يحتمل ، إنا الإنتظار بهدوءٍ تام وإما عودي لبيتك.
وبالفعل خرجت منى غاضبة وحزينة مع إبنها.
محمد :هه ! لم تقل شيئا !!
حسام بحدة:ماذا بك ؟!! ألن تتعلم طريقة أفضل للحديث مع من هم أكبر منك ؟!!!
مريم :دعك منه ! وأخبرني بالله عليك مم تشكو أمي ؟
حسام :ورم في الدماغ نشط وكبير ، ذلك تبعاً لفحوصها منذ أشهر والوضع مؤكد الآن قد تأخر كثيراً، هي ترفض التدخل بأي صورة ، هل تريدون معرفة السبب ؟!!! بسبب بعدكما ، أشعرتوها برفضكما لها فجعلتوها وحيدة فإختارت أن تموت دون أي محاولات.
مريم:أقسم لك أني كنت مجبورة أن أبتعد وقد أخبرتها بذلك وصدقتني .
حسام:جميييييل ! إذن فهناك أمل لتسمحلنا بالتدخل من أجلك أنت يا حلوة.
محمد:وما طريقة العلاج المفترضة ؟!!
حسام :المفترض أن تكون جلسات ستحدد نوعها وعددها حسب الفحوص الحالية للسيطرة على الورم ثم تُجرى الجراحة ثم جلسات علاجية أخرى ، وبرنامج العلاج بالكامل على حسب الحالة والتي ستُحدد تِبعاً لما سنجريه من فحوص ، على الله اعتمادنا الكامل يا إبنتي.
مريم: ونعم بالله، سأظل ملازمتها هنا ولن أتركها.
حسام :للأسف غير مسموح بذلك ، لا مرافق في العناية ، ولا مرافق في فترة جلسات العلاج ، المهم الآن حالتها المزاجية والنفسية وجودكما بجوارها هو أكبر حافذ لها ، لأن الجراحة غير سهلة إطلاقاً وليس التعافي منها بسهولة ، وفترة العلاج أيضاً ، لذلك يلزمها عامل محفّذ كبير لتستطيع تحمّل كل هذا ، وعليكم معرفة كيف ستتعاملون معها في الفترة المقبلة لأنها ستتغير كثيراً ، تغييراً خارجٌ عن إرادتها.
خرج محمد ومريم من المكتب واتجها ناحية العناية المركزة ليريا أمهما وكانت مني تقف عندها هي وإياد فوقفت بجوارها مريم وكانت هي أكثرهم عَبرة وبكاءً فشعرت بها منى فإحتضنتها وربتت عليها برفقٍ وحنان.
وبعد مرور بعض الوقت غادر الجميع من المستشفي وقد أخذ إياد مفاتيح السيارة من خاله ليقوم بتوصيل الجميع.
كان إياد يقود السيارة وبجواره منى وبالخلف يجلس محمد ومريم وكان إياد يقود السيارة حيناً وينظر في المرآة حيناً أخرى ناحية مريم ، لكن مريم لم تكن تنتبه له ولا لأي شخصٍ ولا لأي شيءٍ ، فحالة أمها هي التي تشغل كل تفكيرها الآن.
لكن أمه قد لاحظت ذلك فإلتفتت بوجهها ناحية الشباك للخارج وابتسمت بهدوء .
وصلت السيارة لبيت ليلى ونزل محمد ومريم ونزل خلفهما إياد قائلاً :في أي وقت تريدان زيارتها بلّغوا أمي وسأقوم باللازم.
مريم:ألف شكر لك.
وصعد محمد ومريم ووقف إياد يتابعها بنظره حتى صعدت وإختفت من أمامه ثم اتجه و ركب سيارته وانطلق بها متجهاً للبيت وكان طوال الطريق في صمتٍ وشرود وكلما تحدثت إليه أمه لم يكن معها بل لم يسمعها.
عادا للمنزل فأبيه على وصول ولازال هناك بعض الإستعدادت لإستقباله بحفاوة.
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.