رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الرابع عشر)
قضت منى مع ليلى طوال اليوم تخفف كلاً منهما عن الأخرى مصابها وتسترجعان معاً طفولتهما وصباهما ، لكن منى تفتقد ليلى التي تعرفها فمن أمامها الآن هي حطامها وأطلالها وإن كانت تحاول إخفاء آلامها لكن لم تنجح فقد ظهر ذلك في قلة طعامها فلم تأكل سوى لقيماتٍ قليلة بعد إلحاحٍ شديدٍ من منى، لكنها تتناول كميات كبيرة من المسكنات حيث تنسحب من أمامها من حينٍ لآخر وتدخل لغرفتها لتتناول منها.
فتسللت منى و دخلت خلفها ذات مرة و وجدت لديها درجاً كبيراً ممتلأً بعلبٍ من الأدوية المسكنة التي لا فائدة لها من شدة الوجع.
منى بصدمة:ما كل هذا يا ليلى ؟!!
ليلى بتعب :هي مسكنات ليس أكثر ، وليتها بفائدة ! آااااااااااه واااارأساااااه !! ستنفجر آاااه.
منى:إذن ما رأيك عزيزتي أن نذهب معاً للطبيب ؟!! أنت أصلاً لك أشعاتك وتحاليلك التي أُجريت لكي ، هيا نذهب وتأخذين علاجاً مناسباً أفضل من هذا الكم من المسكنات ، هيا عزيزتي ! سأتصل بأخي لينتظرنا.
وبالفعل تركتها وحدثت أخيها أنهما آتيتان لينتظرهما ثم عادت إليها تعاونها على إرتداء ملابسها.
وفي بيت أحمد دخل على زوجته وهو حزين ومهموم.
دينا بتأفف :ماذا بك ؟
أحمد:مريم حزينة ومتعبة للغاية من فراقها لأمها وأخشى عليها كثيراً،
دينا:إطمأن لن يحدث لها شيء ، ليت أمها تهدأ أيضاً وتجلس في بيتها.
أحمد بإنفعال :ماذا هناك ؟!!!
دينا :المحروسة لازالت تدور خارج البيت وهي الآن غير موجودة ببيتها وربما تبات خارجاً ، فقد إعتادت على ذلك، خاصةً وقد شعرت أنها حرة بعد طلاقها .
أحمد :ماذا ؟!! حسناً يا ليلى سأُريكي.
وبالفعل ذهبت منى وليلى إلي حسامٍ في المستشفى وجلستا تنتظران وليلى تجاهد نفسها وتتحمل الوجع الشديد وتود لو تصرخ من شدة الوجع حتى جاء أخيراً دورها لتدخل وكانت منى تسندها فقد شعرت بوهنها الشديد.
لكن ما أن دخلت لحجرة الطبيب حتى سقطت أرضاً مغشياً عليها فأسرع إليها حسام وحملها و وضعها في سريرٍ في إحدى غرف المستشفي ومكثت مني بجوارها ولازالت تحدّث زوجها من حين لآخر وتوافيه بآخر الأخبار وقد سمع حسام القليل عنها حيث كان يتابع حالها من حينٍ لآخر.
وجاء اليوم التالي وبدأت تستعيد وعيها وكانت تصرّ بشدة أن تذهب ومنى تمنعها بالكاد وذهبت بها لمكتب حسام.
فدخلتا وجلستا أمامه .
حسام:حمداً لله علي سلامتك مدام ليلى ، كيف حالك الآن ؟
ليلى:لقد صرت متعبة دائماً ، الوجع لا يذهب إطلاقاً ، عليّ الذهاب والعودة لبيتي.
حسام: هل هناك من يقلق عليكي ؟!! فهاتفك لم يرن ولو رنة واحدة !! كأن زوجك مسافراً ؟!!
فقالت بضيقٍ واضح :لا.
حسام:وأين أبناءك ؟
فهبت واقفة وقالت بإنفعال :ليس لديّ أبناء.
فتفاجأ حسام بردها وقال بهدوء:إهدئ رجاءً ، تفضلي إجلسي !
فربتت مني عليها وأجلستها وإبتسمت في وجهها لتهدأ لكنها فجأة إنهارت وأجهشت بالبكاء وقالت بمرارة :أولادي… أولادي سيعودان….أليس كذلك ؟!
منى:أجل حبيبتي ، إن شاء الله ، كل شيءٍ سيكون على مايرام.
ليلى:أنت تكذبين عليّ، لقد تبروا مني وإتهموني مثل أبيهم ،تصوري عندما طرقت عليهما الباب قابلني محمد يقول لي ماذا أتى بك إلى هنا ؟ لقد لحقتي بنا العار ، أنا سبب للعار يا منى ؟!!!!
حسام:مدام ليلى ! إهدئ رجاءً !
كانت ليلى تبكي بشدة مهما هدّءاها وفجأة وقفت وتركتهما.
حسام بتأفف : أووووووف ! لن ننتهي بعد ؟!! كل مرة تهرب هكذا قبل أن أتفوه بكلمة !!
منى:معذرةً أخي، لكنها تمر بظروفٍ صعبة.
حسام بتفهّم:حسناً ، إذهبي وإلحقي بها لا تتركيها وحدها وحدثيني ضروري.
وبالفعل ذهبت منى مسرعة خلف ليلى وقد لحقت بها وأعادتها للبيت وما أن وصلتا للمنزل واقتربتا من شقتها حتى وجدتا أحمد يفتح باب شقته.
ثم صاح بغضبٍ شديد : لازال الوقت باكراً كنتي مكثتي يومان ،شهران ! لقد صارت وكالة بدون بواب ، إسمعي يا هذه ! ليس لك مكان بيننا بعد اليوم ولترحلي وتعيشين في مكانٍ آخر ، لا أحب أولادي أن يروا الساقطات أمثالك.
ليلى بتعب واضح: يا أخي اتقي الله !
منى بإنفعال :هل ستتحدثي وتناقشي ؟!! إنه أعمى البصر والبصيرة ، هيا إدخلي ولا تأبهي له.. بلا هم.
أدخلتها مني ولازال واقفاً في قمة غضبه وحرجه ، ساعدتها منى حتى وصلت لداخل غرفتها وعاونتها لتبدل ملابسها ثم إرتمت في فراشها فلا تدري إن سقطت في سباتٍ عميق أم مغشياً عليها.
ابتعدت منى وخرجت من الغرفة واتصلت بأخيها : مرحباً حسام ! لقد عودت بها للمنزل وقد نامت ، ماذا أتركها ؟!! هل أنت متأكد ؟!! حسناً سآخذ مفتاح الشقة ، سأنتظرك على الغداء اليوم.
أخذت منى المفتاح وإنصرفت متجهة لبيتها وبدأت تعد الغداء وقد جاء أخوها وتناول الجميع الغداء ثم جلسوا يتحدثون في أمور مختلفة وكانت منى تتصل بليلى من حينٍ لآخر فلا نجد منها رد.
حتى فُتحت سيرة ليلى وما حدث لها وبدأت تحكي منى تفاصيل عنها وعن ما حدث لها وكان حسام وهاني مستاءين للغاية لما قد حلَّ بها.
هاني:كأن هذا الرجل قد جُنَّ على كبر !!
منى:شيءٌ مقزز ، والأكثر من ذلك يريدها أن تترك بيت أبيها وترحل.
حسام:صديقتك لا يمكن أن تعيش بطولها.
منى:لديّ إقتراح… ليتك توافق عليه يا حسام.
حسام :قولي عزيزتي !
منى:حقيقةً وجودها هناك بينهم في حد ذاته سبب للإجهاد النفسي والعصبي المستمر، وقد رأيت بنفسك يا حسام ، ما رأيك لو ذهبت تعيش في شقة أمي رحمها الله وأنت تعود لشقتك.
حسام:أنا لا أمانع ، لكنها لا يمكن أن تجلس بمفردها.
هاني:لديّ فكرة أفضل ، أنا مسافر فلتجيء وتجلس معكي هنا أو تقسموها بينكما أيامٌ هنا وأيامٌ هناك ، فأنتما في حاجة لأن تكون كلاً منكما بجوار الأخرى.
منى:فكرة جيدة ، وأنت يا حسام يمكنك متابعة حالتها بأن تمر عليها هنا ، لكن إكتب روشتة علاجٍ لها فهي حقاً متعبة.
حسام:الأمر ليس بتلك البساطة.
مني:لماذا ؟!! ألست قد شخْصت حالتها ؟!! هل تعاني من مشكلةٍ في القلب ؟
حسام :قلب ؟!!! تصاب بصداع شديد ودوار فتشخّص بمرض قلبي، رحماك يا الله ! زوجتك يا هاني عقلها قد فرَّ إحكم رباط صواميله قبل سفرك أرجوك.
فضحك هاني وقال:حسناً سأضبط كل شيءٍ بطريقتي.
وغمز لمنى فضحكت.
ورن هاتف منى وكانت ليلى فردت عليها : مرحباً عزيزتي ،كيف حالك ؟!! هل أنت بخير ؟!!
ليلى:نعم الحمد لله.
منى:إعذريني إضطررت للإنصراف ، هاني مسافرٌ غداً وكان يحتاجني أُعد له أشياءه.
ليلى:لا عليكي عزيزتي ، بارك الله لك فيه ، يسافر ويعود بالسلامة.
منى:سنكون معاً شهراً ونصف وأكثر.
ليلى:ربي لا يحرمني منكما ، بلغيه سلامي.
منى:ولماذا ؟؟ بلّغيه أنت بنفسك.
وأعطت الهاتف لزوجها فقال :ليلى ! كيف حالك ؟
ليلى:بخيرٍ إطمأن ! وأعتذر منك أني قد أخذت منى منك.
هاني:لن أرد عليكِ لأن ردي لن يعجبك ، هه ! ماذا تريدين مِني أن أحضرله لك ؟!!
ليلى:أشكرك جداً هاني…لكن انتظر…
فقال بمزاحٍ:ماذا ؟ ءأحضر قلماً وأجندة لتمليني طلباتك ؟!!
فضحكت ليلى و ضحك هاني وهو يشير لمنى أنها تضحك.
ليلى:أريد منك أن تحضر لي نوع قويّ من المسكنات ،ويستحسن لو كمية ، إرسل إليّ رقم حسابك وسأرسل إليك بأي مبلغ من المال.
فإختفت إبتسامة هاني وحلّ محلها نوع من التألم حاول إخفاءه بمزحته :مال ؟!! سأشتم بعد ذلك ، إطلبي ولا يهمك عزيزتي ، لكن ماذا عن الكمية ؟!! كأنك تضحين بي تريدين أن يُقبض عليّ.
فضحكت ليلى مجدداً وأكمل هاني مكالمته ببعض المزحات ليجعلها تتضحك مجدداً حتى إنتهت المكالمة وذهبت إبتسامته.
هاني:تريدني أشتري لها أنواعاً قوية من المسكنات.
منى:ماذا ؟!! لديها درجٌ مملوء بأنواعٍ من المسكنات التي تتناولها بشراهة وبدون فائدة.
فأخرج حسام دفتر روشتاته وكتب فيه ثم قال وهو يعطي إليه : هذه الروشتة فيها تشخيص لحالتها وبعض الأنواع المرشحة للمسكنات القوية بالفعل ، وأيضاً أحضر الأدوية الأخرى لا يشترط الإسم بقدر ما يهمني المادة الفعالة أريد ديكساميثازون ، و فوروسيميد.
منى:ولماذا لا نشتري من هنا ؟!! أعطني روشتة أخرى هل ستظل هكذا حتى يعود هاني ؟!!
حسام :لكن هذا ليس علاجها ، هي طلبت مسكنات قوية وستأخذهم من ذلك المنطلق دون أن تبحث ، لكن عليها أن تجيء إليّ في أقرب وأسرع وقت لنبدأ العلاج.
منى :تقول أنك كتبت التشخيص ، وتقول أن هذا ليس بعلاج ، إذن ما تلك المركبات ؟!!
حسام :هي مركبات تستخدم لتقليل التورم….. حول السرطان.
فوجمت منى وهاني بصدمة…
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.