رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثالث عشر)
بينما تقف منى شديدة القلق على صديقة عمرها بل أختها إذ يأتيها إتصال من إبنها يخبرها بأن والدتها قد زاد مرضها فهرولت هي وأخيها مسرعان إليها للإطمئنان عليها ، ولكن ما أن وصلا لبيتها ودخل إليها إبنها ليسعفها ما كانت إلا لحظاتٍ ثم وافتها المنية.
توفيت أمهما تواً و رغم مرضها المستمر في الآونة الأخيرة إلا أن فقدان الأم من أمرّ الأشياء والأحاسيس مهما كان عمرها أو حالتها الصحية.
حمد حسام ربه أنه قد عاد ولحق رؤيتها وقضاء آخر أيامها في الدنيا معها قبل فقدانها للأبد ، وإنشغلت منى وأخيها بوفاة أمهما والعزاء لعدة أيام قد أنستهما أي شيء آخر.
أما ليلى فقد أجريت لها كل الأشعة والتحاليل اللازمة وإستمر فقدانها للوعي عدة أيام.
وعلى صعيدٍ آخر ففي البيت علم أحمد بعدم عودة زوجته منذ أيام وجنّ جنونه وبالطبع أكمل إدارة تفكيره في الإتجاه الخاطيء وأمر أولاده بجمع أشياءهما والذهاب للعيش مع جدتهما فمثل تلك الساقطة على حد تعبيره لا تصلح أن تكون أم خاصةً لإبنته وظل منتظراً قدومها بفارغ الصبر خاصةً وأن هاتفها مغلق.
وبعد عدة أيام بدأت ليلى تستعيد وعيها وفتحت عينها لتجد نفسها نائمة على سريرٍ في مشفي تحاول أن تتذكر ما حدث أو كيف وصلت إلى هنا ؟!!
لكن لا تتذكر أي شيء مهما جاهدت نفسها فكل ما تذكره أنها كانت في عملها تسجل الكتب الجديدة في السجل بالمكتبة ولا تذكر أي شيءٍ بعده.
وبينما كانت ليلى في تلك الحالة إذ دخلت إليها إحدي الممرضات و وجدتها مستيقظة فابتسمت وقالت :حمداً لله على سلامتك يا مدام.
وفكت بعض الأسلاك الموجودة ونزعت المحلول من يدها.
ليلى: الله يسلمك ، ماذا حدث وكيف جئت إلى هنا ؟!!
الممرضة : حضرتك كنت فاقدة للوعي وقد جئتي بصحبة دكتور حسام.
ليلى بتعجب :دكتور حسام ؟!!! ومن هذا ؟!!
الممرضة: هو لم يحضر منذ يومها بسبب وفاة والدته.
فقالت بصدمة : منذ يومها !!! لماذا ؟!! منذ متى وأنا هنا ؟!!!
الممرضة:من أول الأسبوع واليوم هو الأربعاء.
فصرخت ليلى :يا خبر أسود ! يا خبر أسود ! يا خبر أسود ! ولم يتصل بي أحدهم أو يسأل عني ؟؟!
الممرضة:إرتاحي الآن رجاءً ، الإنفعال لا يمكن مع حالتك ، سأذهب لتبليغ الطبيب.
وخرجت الممرضة وليس لديها أي إجابة لتساؤلات ليلى فنهضت ليلى وهي تجاهد نفسها رغم تعبها حتى وقفت واتجهت لخزانة ملابس كانت موجودة وفتحتها وهي ترجو أن تجد أشياءها وها قد وجدتها ففتحت حقيبتها تفتش فيها فلم تجد هاتفها ربما إفتقدته وهي فاقدة وعيها فتأففت كثيراً وأبدلت ملابس المستشفي بملابسها.
خرجت ليلى بدون إذنٍ أو خبر رغم إستمرار مرضها ولازالت شاحبةٌ للغاية كأنها قادمة من عالم الأموات.
اتجهت ليلى لبيتها وهي مشفقة عليهم جميعهم غمؤكد أنه قد بلغ قلقهم مبلغه وقد حاولوا الإتصال بها كثيراً فلم يتمكنوا من الوصول إليها ، لكنها كانت فاقدة الوعي بمشفي وقد فقدت هاتفها.
وصلت ليلى لشقتها ودخلت فلم تجد أحد ، لكنها قد صدمت عندما دخلت الغرف وقد فرُغت من أغراض أولادها فدبَّ الخوف والقلق في نفسها.
وكان من السهل أن يشعر أحمد بوصولها من شقة أمه فإتجه مسرعاً إليها ، وإذا بطرقٍ عنيف على الباب خرجت علي أثره زوجته الأخرى وأمه وإبنه.
وما أن فتحت ليلى الباب حتى لحقها أحمد بلطمة قوية أسقطتها أرضاً ثم جذبها لتقف ثم تابعها بأخريات من اللطمات المتتابعة وهي لا تفهم شيء حتى إمتلأ وجهها بالدماء دون أن يُعلم مصدرها.
والمدهش أن الجميع متفرجون حتى إبنها هذا فإن كانت حماتها والزوجة الثانية تشمتان بها وذلك واضحٌ للغاية من نظراتهما لكن إبنها وقف بلا حراك فلن يتدخل بصدٍ لوالده ولا حتى بقول.
فقال أحمد يصيح فيها: أيتها الفاجرة ! وتتركين بيتك بالأيام !! لقد ظننتي أني مسافرٌ كما أوهمتك !! أين كنتي ومع من ؟! من غوّاكي هكذا أيتها الساقطة ؟!! ما الذي تركتيه للعاهرات ؟!! تدورين كما تشائي ! لقد أدركت سر تحولك الآن أيتها الفاجرة اللعينة ، لن تستغفليني بعد اليوم أيتها المحتالة ، فأنت طالق….طالق… طالق.. أما عن أولادك فلا شأن لك بهما بعد اليوم أيتها العاهرة ،فأمثالك من الفاجرات العاهرات لا تصلحن للأمومة ، لقد ماتت أمكم اليوم ، لعنة الله عليكِ.. لعنة الله عليكِ !
وكان لا يزال يضربها ويسبها بأقذر الألفاظ وأقبحها ثم تركها وخرج صافقاً الباب خلفه ، وهي لازالت لا تفهم شيء حتهي لم تجد فرصة لتدافع بها عن نفسها وسقطت أرضاً لا تقوى على الحركة ولا تحملها قدماها ، تسمع لأصواتهم بالخارج بين شامتٍ وسابب وصوت صراخ إبنتها تريد رؤية أمها ويمنعونها ، كانت الأصوات متداخلة والطلام يحل فتغيب عن وعيها ثم تعود لوعيها من جديد وتظن أنه مجرد كابوس مفزع لكنها تجده واقعٌ مرير ، فد ضاع كل شيء.
ظلت هكذا على وضعها لساعاتٍ طويلة حتى جاهدت نفسها وخاولت النهوض واقفة تتسنّد مترنّحة لتأخذ حماماً دافئاً بصعوبةٍ شديدة ربما تخف تلك الآلام الشديدة.
دخلت فراشها وبجوارها المسكنات التي لا تفارقها منذ زمن بعيد وطبقٌ به سندوتش تأكل منه لقمة كل باع وقد مرّت عدة أيام ولم ينتهي هذا السندوتش بعد.
عاد حسام لعمله في المستشفي ومرّ على بعض المرضي كما عهد وبدأ يباشر عمله حتى مرّ على المكان الذي كانت فيه ليلى فلم يجدها فنادى على مساعده وإحدى الممرضات.
حسام:أين المريضة التي كانت هنا ؟
الممرضة :لا أعلم سيدي، لقد إختفت فجأة وتركت المستشفي وغادرت من تلقاء نفسها دون إذن وحتى دون أن تدفع حساب المستشفى.
فصاح فيها حسام :كيف تخرج حالة بدون علمكم ؟!! ما هذا التهريج ؟!! ما تلك المهزلة ؟!! هل هي تكيّة ؟!! ما تلك الفوضي ؟!! وأين تقارير حالتها؟
الممرضة:في مكتبك سيدي بصحبة الأشعات والتحاليل التي قد طلبتها.
حسام:ولماذا لم تخبروني ؟ ألم أقل لكم أن هاتفي متاحٌ دائماً ؟!!! ماهذا التهريج ؟!!
وذهب حسام غاضباً لمكتبه وتفحّص بعض الأوراق ثم تلك الأشعات والتحاليل ثم صُدم …فأمسك بهاتفه ليتصل بأخته.
أما منى فقد خرجت أخيراً لعملها وهي تنوي مخاصمة ليلى الأخت وصديقة العمر التي لم تسأل عنها ولم تتلقي منها أي عزاءٍ أو حتى سؤال ، وكأن الوفاة قد أنستها ما حل بها.
وصلت منى للعمل فلم تجد ليلي وعلمت أنها لم تأتي منذ يوم أن دخلت المستشفي وفجأة قد تذكرت كل ما حدث فأخذت هاتفها تتصل بها لكن وجدته غير متاح وقد عاودت الإتصال مراراً وتكراراً لكن بلا جدوى.
بدأت منى في عملها ثم لاحظت وجود هاتف ليلى أسفل الملفات وكان فاصل للشحن فقلقت أكثر وأكثر.
وفجأة رنّ هاتفها وكان إتصالٌ من أخيها فأجابت : مرحباً حسام كيف حالك ؟!! والله ابن حلال كنت سأتصل بك تواً لأسألك عن ليلى.
حسام:بل أنا من أتصل بك لأسألك عن تلك الهاربة ، لقد خرجت من المستشفى من تلقاء نفسها دون إذن ، هل تظن أنها كانت في تكيّة ؟!! المهم إذهبي إليها وءاتيني بها فوراً.
منى:حسناً حسناً سأفعل.
وبعد أن أغلقت الخط قالت لنفسها :تري أين أنت يا ليلى ؟؟ وماذا حدث لك ؟!! أحتاجك الآن صديقتي أكثر من أي وقتٍ مضي يا عِشرة عمري.
وظلت في عملها حتى جاء موعد الإنصراف فإتجهت لبيت ليلى بعد أن أخبرت زوجها وقد طلب منها أن توافيه بأخبارها للإطمئنان عليها.
وصلت منى لشقة ليلى وطرقت الباب كثيراً بلا رد لكن إحساسها يدلها أن ليلى بالداخل لكن هناك خطبٌ ما فيزداد إصرارها لتطرق الباب دون ملل.
نهضت ليلى من مكانها تترنح وتستند إلى قطع الأثاث لألا تسقط حتى وصلت وفتحت الباب بهيئتها المريبة المنهكة تلك.
وما أن فتحت حتهي تعانقتا ببكاءٍ شديد فسنّدتها منى وهي مفزوعة من حالتها وهيئتها ودخلا وجلستا على أقرب أريكة وليلى منهارة من شدة البكاء تكاد لا تفتح عينها من شدة تورمهما بالإضافة لتلك الكدمات فسألتها منى عما حدث فقصّت إليها كل شيءٍ ببكاءٍ شديد ومنى تستمع إليها وتبكي.
وهي تربت عليها وتقول :حسبي الله ونعم الوكيل ، من يتغيب يُسأل عنه في الأقسام والمستشفيات أم يُتهم بأبشع التهم ؟!! إهدئي عزيزتي وإحمدي الله الذي قد خلّصك منه ، عليه اللعنة !
فقالت ليلى ببكاءٍ مرير :كيف أهدأ وأولادي قد تركاني ؟! كيف وقد ظنّا بي السوء ؟!! لا زلت أذكر هيئة إبني وهو يقف يشاهدني معهم وأنا أُضرب وأُهان وكأنه مُصدِّقٌ لتلك التهم ، لقد كرهاني ، هل تظنّي عودتهما إليّ ؟!!
منى:إن شاء الله حبيبتي ،فربك لا يرضى بالظلم أبداً ، لكنها مسألة وقت ، أقسم لك ما أبعدني عنكِ إلا الشديد.
فسكتت ليلى قليلاً وإنتبهت لصديقتها وهيئتها ولذلك الأسود الذي ترتديه.
ليلى بفزع :ما هذا الأسود ؟!!
فقالت منى : أمي.. أمي يا ليلى.
وبكت فضمتها ليلى وبكت هي الأخرى قائلة:بل هي أمي… الملك والدوام لله…لقد كانت أمي بعد أمي وحتي في حياة أمي..سامحيني بالله عليكي وإغفري تقصيري الفظيع هذا !
منى:لا عليك حبيبتي ، يكفيكي ما أنت فيه.
ثم مسحت دموعها وقالت :لديّ فكرة عظيمة سأتصل بهاني وأستأذنه وأمكث معك اليوم بطوله، فمن زمنٍ لم نجلس معاً.
وبالفعل نهضت وحدّثت زوجها وأخبرته بكل ما جرى وإستأنت منه في المكوث مع ليلى فأذن لها فكلتاهما تحتاج الأخرى.
وقضتا اليوم معاً تخفف كلاً منهما عن الأخرى مصابها ويحكيان ويعودان لحكايات طفولتهما….
فهذه هي الصداقة الحقيقية….. لكن…
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.