رواية قبل نهاية الطريق (الجزء السابع)
ومر شهر على وفاة أمها ولا جديد سوى مزيد من الوحدة ، مزيد من الألم ، مزيد من الوجع ومزيد من الصداع.
وذات يوم جاء عمها محمد إليها فوجدها في بيت أبويها وسط الصور والذكريات.
محمد:كيف حالك عزيزتي؟
ليلى:نحمد الله يا عمي.
محمد:وماذا بعد يا إبنتي ؟!!
ليلى :ماذا سنفعل ؟ تلك سنة الحياة.
محمد:إذن عليكِ العودة لحياتك يا إبنتي ،العودة لبيتك وزوجك وأولادك الذين قد أهملتيهم.
ليلى:أهملتهم ؟!!!!
فنهضت واقفة ثم أمسكت بيد عمها وقالت: تعالى معي يا عمي.
فذهب معها عمها لشقتها ودخلا وبدءا بحجرتي الأولاد فدخلاها واحدة بعد الأخرى وكانتا شبه فارغتين.
فقالت:إنظر يا عمي ، تلك غرفتا الاولاد تكاد تكون فارغة.
محمد:أنا لا أفهم شيء.
ليلى:تركوني يا عمي ، تركوني وجالسين في بيتك دائماً ، وإلا فلماذا أجلس مع الذكريات ؟!!! لأني بمفردي وهناك أحد بعض الأنس.
ثم أخذت بيده وذهبت ناحية المطبخ ثم قالت : وهذا طعام اليوم، كل يوم أطبخ جديد ربما يجيئون.
محمد:كل يوم ؟!!
ليلي:هم لا يحبون إلا طعام اليوم بيومه ، لكن إطمأن أنا لا أسكب الطعام ، إني أضعه في أي ثلاجة سبيل في طريقي لعملي.
ثم أخذت بيده وذهبت لغرفة نومها فقالت وهي تفتح خزانة الملابس :وهو أيضاً قد أخذ أشياءه وتركني… انظر لهذا الفستان.
تشير لفستانٍ قصير معلّق.
ثم أكملت :هذا الفستان معلّق منذ قبل وفاة أمي وقد مرّ على وفاتها شهر.
محمد:وما هذا الفستان ؟
فقالت وهي تبتسم بسخرية :كنت أُهييء نفسي كل يومٍ لإستقباله وأتزين واستعد ربما أنال رضاه وإعجابه.
ثم قالت: لماذا يا عمي ؟ لماذا فعلت فينا هكذا ؟
محمد: ماذا فعلت يا إبنتي ؟!!
ليلى:زوجته إليّ غصباً.
محمد:لا أقسم لك ما أجبرته ولا غصبت عليه ، قبل أن أتحدث إليكي بحرف كنت قد سألته وطلبت منه أن يفكر وإن كان مرتبط بأخرى أم لا وألحيت عليه وأقسمت عليه أن يعيد التفكير حتى لا يظلمك.
ليلى:وها هو قد ظلمني يا عمي وأولادي أيضاً.
محمد: لا يا إبنتي كل شيءٍ سيصبح على ما يرام ، سيعودون كلهم إليك ولا تحزني يا إبنتي ، لكن رجاءً عودي لحياتك.
وقبّلها عمها في جبهتها وتركها مع وحدتها وحزنها ومع الصديق الصدوق….. صداع الرأس.
ذهب محمد لبيته وفتح الباب ودخل فوجد عالم آخر ، أحمد وأولاده وأمه يجلسون أمام التلفاز يأكلون التسالي ويضحكون وهم يشاهدونه.
فدخل محمد و وقف أمامهم ينظر لهم شرزاً ثم أطفأ التلفاز.
مريم:لماذا يا جدي ؟!!
محمد:هيا إنهضوا وإذهبوا للنوم فوراً ، ومن الغد جميعكم على شقتكم ، إجمعوا أشياءكم كاملةً ، يكفي هذا.
فنظر الأولاد لجدتهما فقالت :ماذا يا حاج ؟!! إنك قادمٌ بغضبك علينا ، لا تشغل نفسك بنا وإتركهم يكملون الفيلم ، ثم ما معنى يجمعوا أشياءهم ويعودوا لشقتهم ؟ ما الذي تقوله ؟!!!!
محمد:إسكتي أنت ! الجميع سيجمع أشياءه ويذهب لشقته من الغد ، اذهبا لأمكما التي قد تركتاها وحدها يتيمة.
عليّة: يتيمة ؟!!!! هذه البالغة ؟!! إنها نكدية وتشبه البومة مثل أمها بالضبط تعشقان النكد ، ماذا نقول سوى رحمة الله عليها.
فصاح محمد:ألم أقل إذهبوا للنوم فوراً !!
فأسرع محمد ومريم لحجرتيهما في بيت جديهما ثم قال بإنفعال لأحمد:وأنت لماذا لا تزال جالساً ؟!! هيا اذهب لزوجتك ! لماذا تتركها وحدها في همها وحزنها ؟!!
أحمد :وماذا أفعل لها ؟
محمد: ويحك يا رجل !!! زوجتك تمر بطروف صعبة من المفترض يكون جوارها ؟ من الأقرب لها ؟!!! أم ما هي قصتك ؟!! ماذا لو حدث العكس هل كانت ستتركك ؟!!!
عليّة: ما هذا القول يا رجل ! كأنك تفوّل عليّ وتتمنى لي الموت.
محمد:إسكتي أنت تماماً ، أنت أس البلاء ، أنت من كرهتي أمها وكرهتيها وكرّهتي إبنك وأولاده فيها ، جمعاهم حولكي وتبخين فيهم من سُمّك وتركوها بمفردها ، بدلاً أن تصيري أماً بديلة لها لكنك أبعدتيها وتوّقعي بينهم ، ما هذا الجبروت !
أحمد :لا فائدة لهذا القول يا أبي.
محمد: سؤال عليك إجابته وبصدق ، إذا كنت لم تريد إبنة عمك ولا تشعر بها لماذا وافقت علي الزواج منها ؟ كم مرة سألتك وأقسمت عليك ؟!! كم مرة ألحيت عليك أن تعيد التفكير وتتريث ؟!! لماذا لماذا لماذا ، لماذا تحمّلني ذنبكما ؟
أحمد :كنت تريدني أكسّر كلمتك ؟!!!
محمد:تكسّر كلمتي ؟!!! إذن فلم طلبت منك التفكير مراراً وتكراراً ؟!! لا حول ولا قوة إلا بالله ، هل الزواج بالإجبار ؟!! لا حول ولا قوة إلا بالله ، سامحيني يا إبنة أخي ، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وتركهما ودخل غرفته وهو شديد الحزن فذهب أحمد عائداً لشقته فدخل وكانت ليلى لا تزال جالسة في حجرة نومها وتبكي فشعرت بباب الشقة يُفتح فأيقنت أنه أحمد فمسحت دمعها سريعاً فدخل إليها أحمد وهو شديد الغضب وجذبها من ذراعها وقال: هل يمكنني أن أفهم ماذا تريدين بالضبط ؟!!
ليلى:ماذا يا أحمد ؟! هل بعد كل ذلك الغياب تجيء بتلك الصورة ؟!!
أحمد :أنت من تريدين الخراب، تريدي الإيقاع بيني وبين أبي ، لقد أوغرتي صدره من ناحيتنا لترتاحي أم تريدين أن ترتاحي منهما معاً حتى تجعليني مثلك بلا أب ولا أم ؟!!!
وقعت عليها كلماته كخنجرٍ مسموم قد دُقّ في صدرها مخترقاً ضلوعها ، كيف يتحدث إليّ هكذا ؟!!
كيف يخبّط ويخلط الأوراق ببعضها ؟!!
كيف تفهم الأمور هكذا ؟!!!
فأجابته بصوتٍ مختنق :ءأنا التي تفعل كل هذا ؟!! وأنا التي ظنت أنك…… حسناً حسناً !!
فقال بأسلوب مستفذ: هيا إنتهي لننام في ليلتك تلك.
وهو يشير نحو الفراش يقصد أنه يريدها في لقاءٍ خاص ، فنهضت وغسلت وجهها وبدّلت ملابسها وتهيأت وذهبت تلبي طلبه.
أما محمد فقد كان صوت صياح أحمد يصل إليه فإزداد حزناً ولازال يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، سامحيني يا إبنة أخي !سامحيني يا إبنتي !
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.