رواية في قبضة الطاغية (الفصل الثالث عشر)
_كانت تلك الفتاة تنظر لتلك الصورة بيدها وهي تتنهد بحرارة ،نزلت دمعة حارقة من عينها مسحتها سريعًا وهي تتألم ، ثم ألقت بالصورة ووقفت أمام المرآة تحدث نفسها قائلة بنبرة يائسة :
-فاكراه هيفكر فيكي ؟!،عمره ما هيبصلك ولا يحبك ،مفيش أمل
دلف إليها وابتسم بهدوء ثم دنى منها وقبّلها في رأسها قائلًا بحنان :
-قاعدة لوحدك ليه يا حبيبتي مش هتاكلي ؟
نظرت له وبرزت تلك الابتسامة المزيفة منها وهي تقول :
-حاضر يا بابا ،هاجي وراك أهو
تنهد وهو ينظر لحالها وربت على وجهها الصغير وقال :
-“داليا” حبيبتي ،أنا عارف أنتِ حاسة بايه ،لكن إطمني عمك هيتكلم معاه وإن شاء الله تبقى من نصيبه
أرسلت له تلك النظرات الساخرة وهي تقول بهدوء :
-يعني عشان يتجوزني ،لازم عمي “رحيم” اللي يضغط عليه ويغصبه !!
ظهر على وجهه “عدلي” علامات الضيق والغضب لكنه تحكم في ذلك وقال :
-إيه الهري اللي بتقوليه ده ؟، ياخدك غصب ؟؟،ليه أنتِ ألف واحد يتمناكي هو شوية وهينسى عبطه القديم ده وميلقيش غيرك ،بس أصبري !
رفعت يدها متأملة وهي تقول :
-ياريت يا بابا ياريت !
-على العموم أحنا هنزورهم إنهاردة ، عشان “مليكة” هتمشي بكرة تستلم شغلها البعيد ده
هتف بذلك ثم أكمل قائلًا وهو يمسك يدها :
-يلا تعالي عشان ناكل ،أم إسماعيل عاملة أكل جامد إنهاردة !
قالها بطريقة مزاحية جعلتها تضحك على كلماته وهي تقوم معه :
-لا كله إلا أكل أم إسماعيل حبيبتي
…………….”
“داليا عدلي سالم الأسيوطي” ابنة عم “مالك” ،عمرها ثلاثة وعشرون عامًا تخرجت كلية التجارة تلك السنة ، منذ طفولتها وهي متيمة ب”مالك” تعشقه وترى به شريك حياتها ،لكنه لم يبادلها ذلك الشعور وهي تعلم ذلك جيدًا ،خاصة بعد أن علمت بقصة حبه لتلك الفتاة “نادين” ،
اغتاظت كثيرًا وتألمت لكنها لم تفعل شيء سوى التمني له حياة سعيدة ،وعندما علمت بكسرة قلبه بعد أن تركته “نادين” حاولت أن تكون قريبة منه لكنه لم يسمح لها أو بشكل عام لم يسمح لأحد أن يدخل حياته ،لكنها مازالت تحاول وتتأمل أن يحبها في يوم ، تعيش مع والدها “عدلي”، فقد توفت والدتها منذ سنتين فأصبح والدها هو كل حنانها ….”
………………………………………………..
كان “مالك” يجلس على فراشه وهو يقرأ كتابًا لتدخل عليه والدته وتبتسم له بحنان ،ثم تقترب منه وتمسد على شعره قائلة بحنان :
-إيه يا حبيبي من ساعة ما جيت من الشركة وأنت قاعد في أوضتك ،وبقيت قليل بتقعد معانا !
ابتسم لها ابتسامة صغيرة وهو يقبّل يدها :
-معلش يا أمي في شوية كتب حابب أقرأها وكده !
نظر إلى الأسفل فقرأت “كوثر” حزنه ،احتضنته وقال بنبرة هادئة لطيفة :
-حبيبي أنا عارفة كويس أنت حاسس بايه ،بس لازم تعرف إن مش نهاية الدنيا ولازم تقف وتكمل حياتك ،توعدني ؟
تنهد مترجيًا كلامها لكنه أراحها قائلًا :
-أوعدك يا أمي !
قبّلت رأسه وقالت بنبرة ذات مغزى :
طب عمك “عدلي” و”داليا” هيجوا النهاردة عشان يودعوا أختك !
فهم مقصد والداته سريعًا ،وتنهد بضيق وهي يتحدث مربعًا يده :
-يا أمي أنا ..آ
قاطعته “كوثر” بتمهل وهي تقول :
-اسمع يا “مالك” إحنا مش بنغصبك على حاجة صدقني ،بس ادي لنفسك فرصة معاها جرب مش هتخسر ،وأنت عارف هي بتحبك أد إيه !
صمت ولم يرد يعلم أن والدته على حق ولكن ليس بيده شيء ولا يريد أن يظلمها ،لكن لابد أن يحاول ،فربتت “كوثر” على يده وهي تقول :
-ربنا ييسر لك الخير كله يا ابني !
تركته وانصرفت في شروده ليفكر في حديث والدته ويأخذه مأخذ الجد
………………………………………………..
استيقظت “جود” تلك المرة أولًا لتجد نفسها بأحضان “الصقر” فحملقت بعينها رامشة عدة مرات ،حيث وجدته مطبق عليها يخشى هروبها ، تنفست بعمق وهي تحاول القيام ،لتجد يده قد ارتخت فقامت بهدوء وهي ترتعب من أن يستيقظ ،استطاعت القيام ،وتنفست براحة ثم نظرت إليه بعمق وهي تتذكر ما حدث وكيف قبّلها ،لكن كانت دهشتها غريبة نعم هي متضجره وغاضبة من فعلته لكنها توقعت أن يكون قاسيًا أو ظنت الاحتمال الأسوء ،لكن لم تجد منه تلك الشخصية العنيفة ، وما إن حاولت أبعاده عنها حتى استجاب ونام كطفلٍ صغير يبحث عن الأمان ، تنهدت من حالته التي لا تفهمها لكنها أدركت أنه يخفي شخصية سرية لا يعرفها أحد ليظهرها وقت احتياجه إليها !
-قررت “جود” البحث عن أي شيء يساعدها في معرفته أكثر ،فقررت فتح الخزانة بهدوء تام وهي تتسحب على أرجلها ، فوجدت الكثير من الثياب الأنيقة الخاصة به وفي الأسفل لمحت ورقة واقعة أخدتها لتنظر لها ، فتعجبت مما بها !
_رأت “جود” ذلك الاسم مكتوب بطريقة غريبة ويبدو أنه مكتوب بدماء فخفق قلبها ،وأعادت الورقة سريعًا وأغلقت الدولاب وهي تستند عليه شاردة ،حتى تفاجأت بمن يمسكها من ظهرها وهو يهمس في أذنيها :
-بتعملي إيه عندك ؟
فزعت “جود” وهي تبعد يده وتقول بنبرة مرتجفة :
-آآآ..ولا حاجة ،وشيل إيدك من عليا لو سمحت !
ابتسم بشكل ساخر على أمرها اللطيف من وجهة نظره فأكمل بنبرة استفزازية قائلًا :
-ولو مشلتش إيدي هتعملي إيه يعني ؟!!
تنفخت “جود” وهي تتكلم وهو خلفها محذرة بشكل غاضب :
-على فكرة مينفعش اللي بتفضل تعمله معايا ده غلط ،مش كل شوية تقرب مني كده عيب على فكرة !
-عيب ؟!!
هتف بها مستنكرًا وهو يضحك بسخرية ويقول :
-أول مرة أعرف إن في حاجة اسمها عيب دي ،أصل أنا معنديش حاجة عيب يا ..يا “جود”
تلوت “جود” بين كتفيه وهي تهتف بحدة :
-طب ممكن بقى تبعد عني ،عشان أنا عندي حاجة اسمها عيب !
أعجب بحديثها معه فأرخى يده عنها وابتعد قليلًا وهو ينظر لها ببرود تام ،فتنفست وترددت من ما تريد أن تخبره به فتشجعت وقالت :
-هو أنت ليه بتبقى كده ، بالليل لما بتنام بشوفك شخص تاني ودلوقتي شخص متوحش ومرعب وآآ…
وجدت ملامحه تضيق وهو يشير تجاه الباب ويقول :
-بـــرا!
-نعم ؟!
قالتها مندهشة فأمسك بيدها وقال :
-انزلي استنيني على الفطار يلا !!
أخرجها من غرفته وأغلق الباب بقوة ، فنظرت خلفها بغيظ وهي تقول بهمس :
-ده واحد مجنون ومتخلف و آآ
-قووولت استني تحت ،وكفاية برطمة وإلا هتشوفي يوم أسود على دماغك!
انفضت وهي تسمعه من خلف الباب يصرخ بها فركضت نحو غرفتها سريعًا كالهاربة الصغيرة !
………………………………………………………
في المساء في بيت “سالم”
_اجتمع الجميع حول مائدة الطعام لتناول العشاء ولتوديع “مليكة” وبعد الانتهاء جلسوا في حديقة منزلهم يرتشفون قدح الشاي ،لتلاحظ “داليا” جلوس “مالك بمفرده عند أحدى الزاوية ،فتنهدت بعمق وقررت التوجه إليه جلست بجانبه لاحظ وجودها فهتفت ونظرة الحزن بعينها واضحة :
محتاج تقعد لوحدك ،تحب أقوم ؟
علم أنها حزينة عليه فقرر أن لا يعكر لها مزاجها وابتسم بهدوء وهو يشاور لها :
-لا خليكي يا “داليا” ،بالعكس أنا مبسوط إنك جيتي انهاردة وشوفتك !
برّقت بعينها لا تصدق ما يقوله أحقًا ابتسم لها ،أحقًا سعيد لأنه رآها ،ابتسمت بهدوء وهي تخفي توترها وبادرته قائلة :
-أمال ليه قاعد لوحدك كده ؟
ارتبك قليلًا لكنه تنهد وهو يضع يده خلف ظهره :
-عادي بس بحب أبعد عن الدوشة ،مش أكتر
أرسل لها ابتسامة أخرى فترددت وارتبكت فهي تريد أن تتقرب منه وتشعره أنها معه وستعينه ،فخاطبته قائلة بهدوء :
-“مالك” ممكن أقولك على حاجة ؟
أشار لها كي تتحدث فتشجعت قائلة :
-لو حاسس إنك مخنوق أوي ومش عارف تتكلم مع ومين ،تأكد إني أول واحدة هكون بسمعك ،مهما كان كلامك !
رق قلبه لها وهو يراه تجاهد لأجله فأمسك بيدها وهو يخاطبها بخفوت :
-وأنا هعمل كده
ابتسمت بسعادة وهي تشعر بأن الأمل بدأ يقترب !
…………………………………………………
وفي اليوم التالي ….
بعد أن تناول فطروه ولاحظ تذمرها وهي تأكل لم يكترث لها ولم يفكر سوى بضعفه أمامها وقت الليل ،فهو لا يريد أن يظهر أي ضعف أمام أي شخص ،خاصة هي !، ليلة أمس لم تأتي لتأكل معه ،ولكن أخبرها قبل نومه أنه سيعاقبها إن خالفته مرة أخرى وأوهمها بالتهجم عليا فخافت ووافقت على مضض ،وعند وقت نومه تحامل على نفسه ولم ينده عليها ،كادت هي أن تدخل وتتفقده لكنها تذكرت ما فعله معها فنامت بعد أن اطمأنت على والدها ووجدت أن “الصقر” قد وفّر له بعض وسائل الراحة كالسرير وبعض الطعام..
_وقف دون أن يتحدث بشيء ولم ينظر لها بل ترك المكان وذهب خارجًا ليباشر روتينه في تفقد المزرعة والأرض ،وأيضًا لينظر إلى أمر سراج وحاله هو و”سلوى”
تركها فاغتنمت الفرصة لترى والدها وتتحدث معه فنزلت إلى سجن والدها دون علم أحد
………………………
بعد أن تفقد “الصقر” الأرض وأبدل رجالة “سراج” بأخرى من عنده ثم وجد أن جميع الفلاحين يعملون بالنشاط ولا أحد يتكاسل فنظر إلى الوضع برضا تام ،وقرر الذهاب إلى المزرعة ليضع شروطه بها …
_وصل إلى هناك ليجد أن جميع الفلاحات يعملن كما لو كانت “سلوى” توجهم، لكنه كان لابد منه أن يضع أحدًا لتحكم بالأمر ،فكر قليلًا وابتسم بهدوء مريب !
وقف الجميع في الصف المعتاد كل صباح ووقف هو يتحدث وهو يدب الرعب بصوته :
-من النهادرة هتيجي واحدة تانية تشرف عليكم كلكم والجهد هيتكثف وأي حاجة لقيتها غلط بس بإشارة هنهيكو !
ترك المزرعة وتوجه إلى قصره لينظر إلى أمر “سراج”
……………………………..
في السجن العام ….
لمعت عيناه “سلوى” بوميض خبيث وهي تتقدم بهدوء بعدما رأت “سراج” نائم ،أخذت تلك الحديدة وتقدمت نحوه ببطء ، ثم هوّت عليه بضربة قاسية أجرحته وهو يصرخ عاليًا ،أما هي فقد أصابها الجنون وهي تهتف قائلة :
-هقــــــتلك يا حقير يا واطي يا ***** ،مش هتعيييش !
لم يستطع الدفاع عن نفسه فهوى غارقًا بدمائه، بينما دلف حراس السجن وأمسكوا بها ليضعوها في غرفة التعذيب ريثما يأتي “الصقر” ويتدبر أمرها ،….
أما عن “سراج” فضغط أحد الحراس على نبضه ليجدوه قد مات ،تأفف وحمله في غرفة مظلمة وأخبر الحارس “عماد” بضرورة الاتصال بالصقر !
……………………………………………..
في ذلك الوقت سمعت “جود” كل تلك الدربكة فاحتمت في والدها وهي تقول :
-في إيه ،الصوت مش مريحني !
ربت عليها والدها واحتضنها وقال بحنية رغم قلقه هو أيضًا :
-اهدي يا بتي متخفيش خير إن شاء الله خير
تشبثت به ولوهلة قلقت على “الصقر”
…………………………………………….
في ذلك الوقت عاد “الصقر” وعلم بما حدث فزاد غضبه وشحنة شره ،نزل إلى أسفل ليأمر رجاله قائلًا بشأن “سلوى “
-اقتلوا البت دي في ثانية جتها القرف في بلاويها !
أمر “الصقر” برمي “سراج” نحو ذلك الشارع الذي يوجد به الكثير من الكلاب المفترسة حتى تأكل جسده …
شدد على حراس السجن بضرورة الانتباه ، أما عند “جود” فقامت من عند والدها وهي تودعه :
-لازم أطلع يا أبويا عشان محدش يعرف إني جيت !
قلق عليها “حامد” وهو يخاطبها بنبرة متلهفة :
-خلي بالك من نفسك يبتي ،لو أجدر أحميك منه بس هجول إيه ،حسبي الله !
نظرت له بوهن وحزن ثم تركته وهي تمشي ببطء خائفة حتى رأت منظر “سلوى” وهي مقتولة فارتعدت صارخة ليخرج “الصقر” ويجدها على هذه الحالة فهتف باسمها :
-“جــــود” !
فور سماع صوته ركضت نحوه وهي تصرخ باسمه لأول مرة تحت دهشته :
-“غـــــــــــيث”
أخذها في أحضانه وهي ترتعش هدأها لكنها فقدت وعييها أمامه فحملها نحو غرفته وأطمأن عليها وأمر “حسنية” بمرافقتها فغفت “جود” نائمة
……………………………………
ودعت “مليكة” عائلتها ولكن “كوثر” كانت قلقة وقلبها منقبض لكن لم تتفوه بشيء، ودعت الجميع وركبت السيارة حتى وصلت إلى القرية ووجهوها نحو المزرعة بعد أن أخبروها أن صاحب القرية ينتظرها هناك ،ذهبت بحماسة وتقدمت نحو الغرفة التي يجلس بها فطرقت الباب لتسمع صوته وتدلف وهي تقول بعفوية :
-صباح الخير …
وقف مرة واحدة وهو يحدق بها بأعين حادة لا تبشر بالمرة
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.