رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الخامس عشر)
أعدت منى لزوجها أشياءه إحتياجات سفره وفي الصباح قد سافر بالفعل ، اتجهت منى لعملها ثم إتجهت إلى ليلى تنوي الإقامة معها وقد رحبت ليلى بذلك كثيراً.
مرت أيام وأيام ومنى وليلى معاً في العمل والبيت فكلاً منهما تقيم عند الأخرى بالتناوب طوال فترة سفر هاني زوج منى وقد مر الشهر الأول وقارب الشهر الثاني على الإنتهاء ولم يتبقى سوى يومان على مجيء هاني من السفر وستعود ليلى لوحدتها من جديد خاصةً ولم يظهر أبناءها أو تتحسن آلامها هي فقط تلهّي نفسها مع منى.
كانت منى طوال تلك الفترة تلح عليها لتذهب للطبيب لكن دون تلميحٍ لأي شيء ، وهاهي الآن ستعود منفردة فعليها أن تأخذ علاجاً منتظماً فعّالاً.
لم تجد ليلى بداً إلا وتذهب للطبيب مع منى وقد بلغت مني أخيها وذهبت بليلى إليه في المستشفي وما أن جاء دورها حتي دخلت ليلي ومعها منى فرحب بهما حسام وسلّم على أخته بحرارة فلم يراها منذ سافر زوجها ثم جلسوا.
حسام:مرحباً مدام ليلى ! هل تعلمي أنه يتوجب عليّ إجلاسك ثم ربطك في هذا الكرسي إتقاءً لحالة الهروب التي تطرق فجأة.
فضحكت ليلى بإعياءٍ ظاهر ثم قالت:أعتذر منك ، لكني كنت أمر بظروفٍ صعبة، المهم وقبل كل شيء كان هناك حساب قديم وكان عليّ دفعه ، وأعتذر على التأخير.
حسام:لا عليكِ ، المهم أن أكمل كلامي ، آمل قول جملة تامة ، ثم يكفي أنك صديقة منى.
ليلى:معذرةً ، لا يمكن.
حسام:نتحدث لاحقاً في الماديات ، فلدينا الكثير من الأشياء.
ليلى:إذن ،تفضل هذا شيك سيظل معك من أجل الحساب القديم والمستحدث ، أرجوك !
فأخذ منها الشيك و وضعه جانباً دون أن ينظر فيه ثم قال : نبدأ في المهم إذن.
ليلى:أنا لم أُشفي يا دكتور حتى الآن.
حسام : وكيف ستُشفِي بدون علاج ؟!!! فلنبدأ ، بماذا تشعرين وبالتفصيل رجاءً.
ليلى:أشعر بأعراض لا علاقة لها ببعض ، صداع شديد بدرجة لا توصف حتى إني لأصرخ من شدته وكأن شيئاً يضغط بداخل رأسي خاصة في أول النهار صباحاً ، أحياناً تكون هناك رغبة في التقيؤ حتى بدون أن أتناول شيء وتكون مجرد عصارة المعدة لكن أشعر حين أتقيأ بهدوءٍ مفاجيء لكن بعدها يعاودني الألم من جديد، أحياناً أفقد الوعي ، أحياناً أشعر أنني لا أتذكر شيء وأحياناً أشعر كأني لا أرى الصور واضحة ، أحياناً لا أقوى على الحركة ولا السير وأجد نفسي أتسنّد على قطع الأثاث ، أحياناً أشعر بثقل في لساني وكأني لا أستطيع التحدث، أحياناً أشعر بتبلد ليس فقط في المشاعر والأحاسيس بل حتى في حاسة اللمس فذات مرة بينما كنت أغسل الأطباق ارتفعت حرارة الماء الساخن فجأة ولم أشعر بشيء حتى أن يدي قد إحترقت وتفقعت من الحرق ولم أشعر ، فأنا وسط ذلك الزحام من الأشياء الغير مترابطة هو مجرد حالة نفسية نتيجة الصراعات التي أحياها.
حسام:هل تتذكري منذ متى وأنت تعاني من الصداع ؟
ليلى:لا أتذكر فهو من أعوامٍ طويلة ، لكن ليس بتلك الصورة.
حسام :وماذا عن الدوار ؟!!
ليلى:ربما عقب وفاة أمي أو وفاة عمي …لا أتذكر بالتحديد ، هل لديك تشخيص مناسب لهذا الهراء.
قالتها و وقعت عيناها علي تلك الشهادات المعلقة التي فيها تخصصات حسام ودرجاته العلمية المختلفة من جامعاتٍ عديدة خارج مصر والتي تصب في كونه متخصص في جراحة وأورام المخ ، مع تخصصات دقيقة بأمراض المخ.
فقرأت و وجمت وإبتلعت ريقها بصعوبة ونظرت نحوه تنتظر منه الإجابة التي لابد من قولها وبصراحة.
حسام:لديكِ……. ورم في الدماغ وكبيرٌ ونشط وقريب من المراكز الحيوية ويضغط عليها من حينٍ لآخر ، لقد وصل ذلك الورم لدرجة متقدمة تبعاً لتلك الفحوص التي أُجريت لكِ منذ أشهر وحتماً قد تغيرت تلك النتائج خاصة مع الظروف التي تمرين بها.
ليلى بتهكم :سأموت أليس كذلك ؟!!!
حسام :وأين المفاجأة ؟!! فكلنا سنموت ، هناك جراحة من المفترض أن تُجرى لك لكن بعد فترة من العلاج ستُحدد نوعها وجلساتها حسب الفحوص الجديدة ، المهم علينا السيطرة أكثر على هذا الورم لأنه من الواضح أنه نشيط وشرس للغاية وفي ضوء نتائج العلاج سنحدد العملية.
فوقفت ليلى قائلة :وأنا لن أفعل شيء، يمكنك إعطائي مسكن قوي يهدئ ذلك الوجع غير المحتمل وسأكون شاكرة لك.
حسام :في جميع الأحوال ستحتاجي لذلك المسكن القوي في الأيام القادمة لأن الوجع للأسف شديد.
ليلى:قلت لن أفعل شيء.
حسام:لن نتحدث أو نتخذ قراراً وأنت تحت تأثير الصدمة.
ليلى:وأنا أصلاً لن أتحدث في هذا الأمر مجدداً ، فأنا ميتة في جميع الاحوال.
حسام:إهدئ رجاءً !
ليلى:أنا هادئةٌ تماماً ، لقد أتت وحدها ، أنا إمرأة وحيدة ليس لها أي أُناسٍ يملؤن حياتها أو تعيش من أجلهم ، وقد تحققت من تلقاء نفسها سأتركها لهم… رجاءً أريد فقط مسكن قويّ.
فاضطر حسام أن يعطي لها علبة من الترمادول وكتب عليها مقدار الجرعة وعدد المرات وحذرها من تجاوز الجرعات وأخذها بشكل عشوائي ، بالطبع قد كتب لها الحد الأدنى من الجرعات مراعياً أنها ربما تزيد من تلقاء نفسها.
أخذت ليلى الدواء حتى إنها تناولت قرصاً تواً ثم انصرفت وخلفها منى وكانت طوال الطريق في صمتٍ تام حتى وصلت لبيت ليلى فنزلت من السيارة وهي تحمل أشعتها وتحاليلها في ظرفٍ كبير مكتوبٌ عليه إسم المستشفى.
ليلى:أشكرك بشدة منى ، كفاكي إلي هنا ، عودي لبيتك وأعدي نفسك فزوجك على وصول.
منى :لا بل سأصعد معكي لباب شقتك.
ومع إصرار منى اضطرت ليلى لتركها تصعد معها حتى وصلت لشقتها فقالت ليلى :كفى إلي هنا ، هيا إنصرفي.
منى : اطلبيني في أي وقت سأجييء فمعي مفتاح شقتك ، إعذريني لولا مجيء هاني من……
ليلى:شششششششش ! هيا إنصرفي .
فتعانقتا ودخلت ليلى وانصرفت منى وأثناء نزولها فتحت مريم باب شقة جدتها ونادت :خالتي ! خالتي ! ماذا بأمي ؟!!
منى :هل تذكرتي تواً أن لكِ أم ؟!!! ما هذا الجحود ؟! كأنكم قد تجردتم من الإنسانية والإحساس ، حتى إن الحيوانات لتشعر وتحس عنكم .
وتركتها وإنصرفت و وقغت مريم بعض الوقت لكنها قد رأت هيئة أمها وهي آتيةّ الآن مع منى ورأت تلك الأشعات و التحاليل مؤكد هناك خطبٌ ما.
تسللت مريم من جدتهاوصعدت وطرقت الباب على أمها حتي فتحت ليلي فوجمت عندما رأتها بعض الوقت في صمت ودون أي ردة فعل .
مريم:أمي ! لقد اشتاقت لك كثيراً ، أقسم لك هم من حبسوني ومنعوني عنك ، لم يسمحوا لي بالخروج إلا من للذهاب إلى دروسي فقط ، أقسم لك أني متعبةٌ من دونك.
وبدأت تبكي ، كانت ليلى تنوي الصمود أمامها لكنها تذكرت أن لا وقت لديها وربما تكون تلك المرة الأخيرة فما أن رأت دموعها حتى ضمتها إليها وبكت هي الأخرى بحرقة.
مر بعض الوقت في هذا العناق ثم دخلتا وأغلقتا الباب وجلستا على أريكة قريبة فاحتضنتها ليلى.
مريم :ماذا بك أمي ؟!!
ليلى:شششششش !! لن نضيع وقتنا في هراء ، طمنيني عليكِ ، كيف حالك وحال مذاكرتك؟؟
مريم :الحمد لله.. لكن…
ليلى:إوعديني أن تبذلي مجهوداً كبيراً ومذاكرة من نار حتى تحصلين على مجموعٍ كبير وتحققي حلمك في الإلتحاق بكلية الطب.
مريم :إن شاء الله ، سأفعل كل ما تريديه يا أمي ، أحصل على مجموعٍ عالٍ وأدخل كلية الطب وأعالجك ، لكن ماذا بك حتى أتخصص فيه ؟!!
فابتسمت ليلى بحزن وقالت :تخصصي فيما تشائين… فأنا للأسف لن أنتظرك.
فبكت مريم وقالت :لا تقولي هذا الكلام يا أمي.
ليلى:لا تنسي وعدك ليلى مريومتي ، عليكِ بالعمل فالعمل يلهي الفرد كثيراً ولولا العمل في حياتي لا أدري ما الذي حدث أكثر من ذلك… إهتمي بنفسك جيداً عزيزتي ، ونصيحة لن يقولها لك أحداً..إياكي أن تتزوجي إلا من يحبك وتحبيه مهما إنتظرتي ومهما كبر عمرك… فالحب مهم ويفرق في الحياة ، وحتى إن وجدتي ذلك الحب فلا تنسي عقلك وإبتعدي فوراً واتركيه إذا وجدتي منه بعض الصفات التي لن تتغير إطلاقاً… الكاذب إتركيه…. من يعرف فتيات غيرك إتركيه.. سيخونك حتماً بعد الزواج… الغلّاط بلسانه ويده أو إحداهما إتركيه… لأنه سيهينك بعد الزواج… الصامت الذي لا يتحدث معك ومن يتركك حزينة بالأيام…إتركيه لأنه بعد الزواج سيصير أكثر جفاءً وبعداً…إن حاول التقرب الجسدي تحت أي مسمى وبأي صورة … ومهما هددك أن يتركك أو إفتعل المشكلات… اتركيه لأنه بعد الزواج سيكون أناني لا يتذكرك إلا وقت رغبته فقط.
مريم :لماذا تقولي هذا الكلام الآن ؟؟
ليلى:احفظي هذا الكلام جيداً، لأن وقتها لن تجدي من يقوله لك بعد رحيلي.
مريم :أرجوكي أمي لا تقولي هكذا.
ليلى:كوني في حضني أكثر وقت ، أريد أن أشبع منك حبيبتي.
فضمتها إليها وظلت تبكي بشدة حيث شعرت بخطورة مرض أمها وأنها سترحل حقاً ، وأنها مريضة لتلك الدرجة…. سامحك الله يا أبي… سامحك الله يا حدتي… سامحيني على بعدك أمي.
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.