رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثامن)
تمر الشهور وشهر بعد شهر والعلاقة بين أحمد وليلى تزداد سوءً وتزداد تبلداً وبروداً وجفاءً ، تزداد قسوةً.
وللأسف قسوة أحمد قد تشربها محمد مع بعض الرتوش والإضافات التي قد أضافتها عليّة إلى حفيدها ، فكانت ليلى تعاني القسوة و التبلد من زوجها وإبنها.
لكن الوضع مع مريم صار أفضل كثيراً فقد صارتا صديقتان وصار لديها ثلاثة أصدقاء صدوقين لا يفارقوها مريم ابنتها و منى صديقة طفولتها وذلك الصداع الشديد الذي يقحم نفسه داخل حياتها عنوة.
أما عن عمها فقد بدأ المرض يتملك منه بفعل تقدم السن ولم تعد ليلى تتحدث معه بخصوص أحمد أبداً وحتي إن سألها تخبره أنهما بخير وعلى مايرام وهو يعلم أنها تكذب عليه ولازالت تعاني وتتألم فيحزن من أجلها كثيراً.
ومرت شهوراً أخرى وتزداد بعداً عنه ، صحيحٌ أنه لم يهينها لفظاً أو ضرباً لكن الإهمال والتجاهل والقسوة تعد إهانة وتحولها لكائن متبلد لا تبالي وتفقد حبها ومشاعرها تدريجياً لتتحول لصورة لإمرأة قد تبتسم في الوجه وقد تعطي جسدها لكن قد جفت أحاسيسها من زمن لينتهي الشوق والشغف ، تنتظر وتتهيأ لكن بدون روح كأداء واجب ليس إلا ، فما أقسي عذاب تلك المرأة !!!!
وما أغبى ذلك الرجل !!!!
فإن كان للحب مراحل نظرةٌ فابتسامةٌ فموعدٌ فلقاءُ فللبعد أيضاً مراحل :
إنفصال فكري بالجفاء وإنعدام الكلام ،ثم إنفصال عاطفي وتنتهي معه المشاعر والحنين والشوق ، ثم الإنفصال الجسدي فحتى إعطاء الجسد وحده يصير أصعب ما يكون ، ثم الإنفصال الشرعي بالطلاق….
وأخيراً الإنفصال النفسي مع قرار لمسح ذلك الشخص بكل ذكرياته الحلوة والمرة.
تفاجأت ليلى بنفسها وقد صارت كتلة ثلج ، لم تعد تنتظره بشغف ، لم تعد تتصل به إلا للضرورة ، وقد إنطوت صفحة الحب تلك ، تلك الكلمة التي بدلاً من أن تكون مصدر سعادتها قد صارت سر جرحها وتعاستها.
وبدأ أحمد يتأخر ليلاً ولم بعد له موعد ثابت مثل ذي قبل لكنها لم تأبه له ولم تسأله ، ترى لو سألته فلن يجيبها أصلاً .
وذات يوم كانت تجلس مع عمها في فراشه تحايله ليأكل.
محمد:ليلى حبيبتي !
ليلى:نعم عمي.
محمد:كيف حال أحمد معك ؟
ليلى:الحمد لله يا عمي ، بخير.
فنظر نحوها فأبعدت نظرها عنه حتى لا يكتشف كذبها لكنه يتأكد من ذلك.
محمد:سامحيني يا إبنتي ، يا ليتني ما فكرت في تلك الفكرة السوداء.
ليلى:لا عليك يا عمي ، لا تتعب نفسك ، تلك أقدارنا التي قدّرت لنا ولا مفر منها ، والحقيقة أنا المخطئة ليتني إستجابت لما قيل لي من البداية بدلاً من أعواماً من السباحة عكس التيار ، لكن لا ننكر أن في أحمد صفاتٍ طيبة حتى لا أكون جاحدة.
محمد :ربنا يكملك بعقلك حبيبة عمك وقلب أباكي.
فإبتسمت وقالت :أنت أبي الذي ربّاني .
فرد مازحاً:أنا من أنجبت معتوهاً ، كيف إستطاع مقاومة هذا الوجه الملائكي وتلك الضحكة التي تذيب القلب ؟!!
فضحكت وضحك.
وذات يوم كانت منى قد طلبت منها الذهاب معها لشراء بعض الأشياء فإستأذنت ليلى من زوجها وأذن لها ، وبالفعل ذهبتا وإشترتا بعض الأشياء ثم جلستا في أحد الأماكن لشراب شيءٍ ما.
فجلستا تحكيان وتضحكان وفجأة وقعت عين ليلى على مفاجأة صادمة لها بكل المقاييس، إنه أحمد زوجها جالس في نفس المكان ، نعم لكن ؟!!
لقد كان يجلس مع أخرى ، بحاكيها ، يضاحكها ، يغازلها برقة بالغة ، وقد مر على زواجهما قرابة العشرون عاماً ولم ترى منه ذلك قط ولا حتى ربعه.
لا حديث ولا مزاح ولا دلال ! لقد كانت صدمة شديدة وكأنها قد شلت فجأة ، فسحبتها منى مسرعة وإنصرفتا قبل أن يلاحظ وجودهما.
ونصحتها منى بخطة نسائية خبيثة ، فإن كان يزيغ ببصره خارجاً فلتكون هي الأذكى وتسحبه للداخل ، ولتجذبه إليها من جديد ولتتهيأ ولتتزين بشكل مبالغ فيه ولتنسى البساطة والرقة وتودعها وأهلاً بالإبتذال والجراءة ولتتحول لسافرة جريئة لا تعرف للحياء طريق ، فليس في ذلك شيء فهو لازال زوجها وذلك بيتها ويحتاج لدفاعٍ شديد.
وبالفعل نفذت ليلى ما طُلب منها بالحرف وليعود أحمد كل ليلة ليجد كتلة أنوثة مثيرة لأقصى درجة ليس هيئةً فقط بل وشعرت سلوكاً أيضاً.
ربما أعجب ذلك أحمد في بادئ الأمر ،لكن ذلك الإعجاب لم يرتقي لحيز المشاعر والأحاسيس ، لم ترى ولو ضحكة واحدة مثلما رأته مع غيرها ولا مزحة ولا تدليلة بل لم يكن سوى أداءٌ جسدي فقط ومع مرور الوقت شعرت بملله وكأنه قد إعتاد على كل هذا ولم يعد هناك ما يبهره.
ولم تحتاج ليلى لوقتٍ طويل لتتحمل لأن مشاعرها على أية حال قد انتهت وماتت ، ولم يكن بداخلها سوى صراعٌ يضغط عليها كثيراً.
وللأسف هو حال الكثير من الرجال من لا يرى سوى العيوب والقبائح ، ولا يرى المجهود المبذول لإرضاءه ولا مزايا من عاشت معه لفترة ربما تصل لأعوام ، فقد تعوّد على كل شيء منها فيزيغ ببصره هنا وهناك ولا يعرف للرضا سبيلاً وستكون دائماً هي المقصرة.
تعبت ليلى كثيراً وقد فاض الكيل حقاً ، وذات ليلة وقد صار لقاءه بها شيئاً مكروهاً لأقصى درجة فلم تعد تتحمله حقاً حتى قربه لها يؤلمها.
وبعد أن نام وتأكدت من ذلك عزمت على حملة تفتيش لهاتفه فأخذته وخرجت من غرفتها ثم فتحته وبحثت فيه قليلاً و وجمت وجحظت عيناها فلم تصدق هول ما رأت…. ما هذه القذارة ؟!!
كم إمرأة تعرف يا هذا ؟!!!!
كيف تتحدث إليهن بتلك الطريقة ؟!!
ألهذا الحد قد بلغ بك الفجور ؟!!
فأنت لم تترقق يوماً بحديثك معي ، بل لم تكن تتحدث أصلاً ، وكدت أصدق أنك ساذج ولا تعرف كيف يكون الكلام المعسول ولا عن الغزل والدلال أي شيء.
كم تمنيت أن أسمع منك مثل ذلك الحديث المعسول الذي بخلت عليّ به و وزعته على أخريات لا تستحق.
وإكتفت بما رأته ولازال الكثيييييير….. لكن لم تستطع وأغلقت الهاتف و وضعته جانبها وظلت تبكي وتنتحب على نفسها ، تكره نفسها وتكره كل كلمة حب ودلال فعلتها معه ، وتكره كللقاءٍ قد جمعهما لم يعطيها فيه إلا الجليد.
ظلت تبكي مكانها حتى إستيقظ هو في الصباح وهي لا تعلم كم مكثت ولا كيف مر عليها كل هذا الوقت ، وصار وجع رأسها يفتك بها وتود النهوض لتتناول ذلك المسكن الذي اعتادت عليه ولم يعد له أي تأثير لكن كثرة البكاء جعلتها تشعر ببعض الدوار وربما من شدة الصداع.
خرج من غرفته فوجدتها جالسةٌ هكذا بلا حراك فتأفف احمد وقال:يا فتاح يا عليم ! صباح النكد والهم والغم .
نظرت إليه ثم أشاحت بوجهها عنه فلمح هاتفه بجوارها فشك في الأمر.
أحمد :ماذا كان يفعل هاتفي معك ؟!
فلم ترد بل زاد بكاؤها فجذبها من ذراعها وقال معنفاً لها :ماذا فعلتي في هاتفي ؟!!!! إنطقي !
فقالت بغضب وبكاء :أتخونني يا أحمد ؟!! ماذا تركت للمراهقين الصغار ؟!! إن كنت أنت تفعل هذا فماذا يفعل إبنك ؟! أم أنها فراغة عين ؟!! وأنا طوال تلك الأعوام الطويلة كنت أتسول منك ولو كلمة ، أتسول الحنان أو أي شعور… ثم أجدك تسكب كل مشاعرك سكباً في كل مكان لعاهراتٍ لا تستحق.
فإذا بلطمة قوية تفاجئت بها علي وجهها أسقطتها أرضاً ثم جذبها لتنهض واقفة ثم لطمها بأخرى لتسقط من جديد على الأرض لدرجة أن صارت تنزف من أنفها وفمها ثم يوقفها ثالثاً وأمسكها وقال مهدداً : هاتفي هذا خطٌ أحمر لا شأن لك به ، لو أمسكتي به يوماً سأقطع يدك ، وحذارٍ أن يعلم أبي أو يدري بأي شيء وهو في مرضه هذا وإلا فستري مني وجهاً لم تريه من قبل.
كان يتحدث ويرج فيها بقوة من كتفيها وما أن أنهى حديثه حتى تركها وانصرف ، بينما هي قد أصابها دوارٌ شديد وسقطت فاقدة الوعي……
وللحديث بقية،
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.