رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثاني)

رواية قبل نهاية الطريق (الجزء الثاني)

بالفعل ذهب أحمد وأهله وخطب هيام في ترحاب وسعادة من الجميع إلا زوجة أخيه التي لم تعجبها تلك العروس حيث كانت تريده لأختها رغم معرفتها بحب أحمد وهيام منذ أعوام وأخيراً قد كُلل بخطبة وقريباً بميثاقٍ غليظ.

تمت الخطبة وكان أحمد دائم الزيارة لهيام في منزل أهلها ، أحياناً يحضر لها هدية وأحياناً وردة وربما كلماتٍ رقيقة في خطابٍ أو كارت معايدة جميل أو خلف صورةٍ له… أو حتي حديثه المعسول الرائع الذي كان يتفنن في قوله ولا يخرج من قلبه إلا لها.

كان خروجهما معاً قليلاً للغاية كما هي العادات وقتئذ لبعض العائلات ، كان أحياناً يمر عليها في الكلية ويعودان للمنزل معاً وكثيراً ما يعودان سيراً على الأقدام فهما لا يشعران بالوقت ، يسيران معاً على كورنيش البحر بأيدٍ متشابكة تلمع في أصابعهما دبلة الخطبة ويداعبهما نسيم البحر العليل وحلو عطره.

وقد يأكلان الذرة المشوي أو حمص الشام الحار بالشطة( الحلبسة) أو الترمس وأحياناً آيس كريم وفريسكا ، ومثل الك الأشياء البسيطة لكنها تسعدهما كثيراً ، ولا يزال معها ذلك الراديو الصغير فيجلسان قليلاً على سور البحر و ربما يجلسان على الرمال أو يخلعان نعليهما ويسيران في الماء لتبتل أرجلهما بمداعبات خفيفة.

وعندما يجلسان تدير هيام الراديو ويسمعان حسب حظهما اليوم من أغاني الإذاعة ، ولعل لفيروز نصيبٌ كبير معهما من فترة ، فيستمعان لا بآذانهما بل بقلبيهما وعيونهما لامعة ومعلقةً ببعضهما البعض تفهم وتعي الكلام جيداً وترسل بكلامٍ آخر فمن العين للعين رسول.

ولازالت هيام تنتظره في نافذتها يومياً عند ذهابه وعودته فكيف يمر عليها يوماً دون أن تراه وتطمئن عليه وهو أيضاً يراها وهو قادم فيذهب كل إرهاق العمل يبتسم لها فتبتسم له فيقف تحت شرفتها قليلاً فتنزِّل السبت فيضع باكو من الشيكولاتة وربما من اللديدة لكنه يكون مفتوحاً وبداخله خطاب صغير مطويّ فتصعد به وتنتظره حتى يذهب ثم تدخل وتفتحه وتقرأ ماذا كتب إليها اليوم ثم تضعه بداخل صندوق مملوء بخطاباته لها و صورٌ له أو لهما معاً .

أو كان أحياناً وهو قادم ينظر للأعلى بإبتسامته تلك ويمسح على شعره لكنه كان يبعث لها بسلامٍ خاص.
ورغم ذلك فهو لا يمتلك أي صندوق خطابات ، فهي لم ترسل إليه أبداً بخطاب ولا حتى صورة منها وذلك بالطبع بحكم العادات.

مرت الأيام حتى أنهت هيام دراستها وعملت ببنكٍ وإقترب موعد زفافهما وكانت شقتهما في بيت الحاج سيد المهدي حيث بيت العائلة وله شقة ولكل إبنٍ له لديه شقته ، لكن الإجتماع في المكان فقط لا الحياة فلكلٍ منهم حياته الخاصة ، لكن هناك موعد أسبوعي للتجمع العائلي وهو كل جمعة فيجتمع الجميع في شقة الوالدين وذلك بالإضافة لشهر رمضان والعيدين والمواسم ويوم شم النسيم.

لكن أكثر ما يؤرق عليّة زوجة محمد أخو أحمد أن كيف لمحمد وأبيه الإنفاق على تلك الزيجة والتجهيزات ببنما هو لا يعمل معهما في العطارة فهو طبيب وهما من يكدان فلماذا يعطياه أموالاً هكذا، لكن محمد كان يسكتها فهذا ليس من شأنها في شيء.

وجاء اليوم الموعود يوم زواجهما وكان حفلاً عادياً غير مبتذل في إحدى النوادي ، كان العروسان يجلسان بهدوء وسعادة ومدار في الحفل بعض الأغاني الخاصة بالأفراح ، والجميع يأتون ويقفون بجوارهما لإلتقاط الصور.
بينما هما يجلسان تتشابك أيديهما وتلك العروس الرائعة بتاج الورد الأبيض على شعرها وباقة الورد التي في يدها توزِّع إبتسامتها الهادئة على الجميع ممن حولها ثم تعود بإبتسامتها لزوجها وحبيب عمرها.

وُزِّع ذلك الشربات الأحمر ثم علب فيها أكل الفرح (سندوتشات وقطعتين من الجاتوه وعلبة عصير)  وكان ذلك المعتاد في زمانهم.
وبعد فترة ليست بالطويلة فالساعة لم تصل للحادية عشر بعد لكن قد إنتهى الفرح وعاد كلٍ لبيته بين سعيد وحقود.
لكن أشدهم سعادة هما العروسان ، فأخيراً صارا معاً بلا قيود ولا خوفٍ من قيل وقال ، فليتدللا كما شاءا وليضمها إليه كما شاء وليمسح علي شعرها كما شاء، بل وأكثر من ذلك…..

فليهنئا بأول ليلة حبٍ وعشقٍ بلا حدودٍ معاً بعد صبرٍ طويل.
وفي صباح اليوم الأول لزواجهما يستيقظان لا يكادان يصدقان ذلك ، كلاً منهما يفتح عينه فيرى أمامه وجه الآخر ، ويشتم رائحة الآخر ، ويتلمس جسد الآخر في حضنٍ دافئٍ وسعادةٍ غامرةٍ .
وتمر الأيام ببنهما والحياة أقل ما يقال عنها أنها رائعة وكان أحمد لا يزال محتفظاً برقته معها فكان يبدع كل يومٍِ كيف يسعدها وكيف يرسم البسمة على شفتيها والفرحة من قلبها وإن إختلفا ذات يومٍ فلا يجيء الليل إلا بالصلح ، فكيف لكلٍ منهما أن يبيت ونصفه الآخر غاضبٌ أو مهموم ؟!!

كيف يبيت بعيداً عن حضن الآخر ؟!!
وقد كُلل زواجهما بخبر سعيد فقد صارت هيام حامل فزادت سعادة أحمد وزادت رقته وحنانه وينتظر بفارغ الصبر أن يأتي ذلك الضيف الجديد أو الضيفة لا يهم.
وذات يوم وكانت هيام قد صارت في شهرها السابع وقد إستيقظت صباحاً متعبة وتتألم قليلاً ثم وقفت تعد الإفطار والشاي لزوجها قبل الذهاب لعملهما لكن التعب قد حلّ عليها فوضعت الطعام و جلست ببطء شديد فخرج إليها أحمد :صباح الخير  !

ثم إنتبه لملامحها المتألمة وقال بقلق :ماذا بك حبيبتي ؟!!
هيام بتعب :متعبةٌ جداً يا أحمد بطني تؤلمني وأشعر كأن أسفل بطني مشدود.
أحمد :لماذا ؟!!! عليكِ أن ترتاحي فتلك الأعراض غير جيدة تماماً ، هل تريدين ولادة مبكرة قبل موعدك بزمن ؟!! لا عمل اليوم ولمدة أيام حتى ترتاحين تماماً ، وأكثري من النوم على ظهرك ، تناولي فطورك وسأعطيكي حقنة مسكنة لتنامي ، وإن كنتي لا تزالي متعبة إتصلي بهاتف المستشفي وإطلبيني وسأترك لهم خبر وسأحدث طبيب صديق بشأنك.

فهزت برأسها أن نعم وبالفعل أكلت وأعطاها الحقنة.
هيام:تسلم يداك حبيبي.
أحمد:اعتني بنفسك حبيبتي ، أرجوكي أود أن أطمأن عليكِ.
هيام:لا عليك يا غالي ، بارك الله فيك يا أبو أولادي.
اقترب منها أحمد وأمسك بيدها وهي مستلقية على ظهرها وقال:بم تشعرين الآن ؟

هيام:أشعر بأني أسعد إمرأة في الدنيا ولا أحد أسعد مني قط يا حب عمري أنت.
ثم قالت:هه ! ألم تفكر في إسم للمولود الجديد ؟!!
شرد قليلاً ثم ابتسم وقال:امممممم ! ليلى أو حسين…أتذكرين ؟!!
هيام:أذكر ماذا ؟!!
أحمد:يوم أن بوحت لك بمشاعري على شاطيء البحر ، يوم قولت لك أحبك ، يوم أن عرضت عليكِ الزواج ، يا لك من نسّاية !

فضحكت وقالت:آاااااه ! ليلى مراد وحسين صدقي؟
أحمد:لا شأن لي ، فأنت من كنتي تسمعي وقتها بحب اتنين سوا ، لكن أنا لا أحب إلا واحدة فقط ألا وهي هيام قلبي.
فتعلقت هيام في رقبته وعانقته بشدة لا تريد أن تتركه ، وكلما همت بتركه قليلاً تشعر بقبضةٍ و وخزة في قلبها فتزيد في عناقها له.

فابتسم لها ونزع يدها برفق ثم قال بخبث :ماذا تريدين بالضبط ؟!! هذا لا يمكن أبداً في مثل حالتك، وللأسف عليّ الذهاب سأمر على الدكتور المسئول عن رسالتي ، أتمنى مناقشة الماجستير قبل موعد ولادتك حتى أفتح العيادة عقب تخصصي رسمياً كطبيبٍ باطني ، لكني أود عندما أبدأ في الدكتوراه أن أتخصص في أمراض الجهاز الهضمي أم أمراض الكبد والمرارة… ما رأيك ؟!! هيام !!

وكانت قد شردت قليلاً فانتبهت قائلة : ماذا ؟! ربي يفتح عليك ويرزقك من أوسع الأبواب.
أحمد:كأنك غاضبة ؟! هل تريديني فعلاً لا أتركك ؟!!
هيام:لا يا حبيبي ! إذهب أنت ولا تعطِّل نفسك من أجلي سأنام كما طلبت مني وسأستيقظ وأكون على ما يرام .
أحمد:إلي اللقاء حبيبتي ، فقد جاء الميعاد.

فعانقته ثانياً لكن أشد من عناقها الأول فتعجب منها فداعبها بكلماتٍ وغمزاتٍ لطيفة منه ليضحكها ثم إنصرف……… فقد جاء ميعاده.
وللحديث بقية،

https://www.barabic.com/real-stories/13067

تعليقات (1)

إغلاق