هذه العلامات دليل على إصابتك بالاكتئاب
بالعربي / لا يمر حديث عن الشاعر العراقي العظيم بدر شاكر السياب إلا مع إشارة إلى اضطراب شديد تجلّى في كل جوانب قصائد هذا الرجل.
حيث يمكن بسهولة أن ترى كل البؤس والحزن والقلق الممكن وقد عبّر عنه بأبسط وأنقى الصور، خاصة حينما تضربه موجات الأسى باقتراب الشتاء، تتأمله مثلا وهو يقول1: “أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟ وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟ بلا انتهاء – كالدَّم المراق، كالجياع، كالحبّ، كالأطفال، كالموتى – هو المطر”.
ومن غير الممكن، بالطبع، أن تجد شخصا عاديا ينظر إلى المطر بتلك الطريقة، لذلك كثيرا ما يُستخدم شعر بدر شاكر السياب دلالة على العلاقة بين الاكتئاب والإبداع الأدبي، لكن ذلك، بدوره، يحيلنا إلى نقطة أخرى مهمة لها علاقة بهذا المرض الذي يعاني منه أكثر من 300 مليون شخص من جميع الأعمار حول العالم، وهي ترتبط بتساؤل يملأ وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تتعلق بإخفاء هوية السائل كـ “Ask.fm”، يقول: كيف أعرف أنّي مصاب بالاكتئاب؟ هل يمكن بالفعل أن تدل بعض السلوكيات على وجوده؟
هل تفهم الاكتئاب؟
الإجابة هنا معقدة، وسبب ذلك هو أن الجميع يتعامل مع الاكتئاب وكأنه حالة من تعكر المزاج، أو التعاسة، أو الإحباط، أو القلق، حتّى إن كلمة “اكتئاب” نفسها قد اتخذت هذا المعنى بين الناس، حتّى إن إحدى أشهر الإجابات العامة عن أسئلة كـ “ماذا بك؟” هي: “لا شيء، فقط مكتئب قليلا”، لذلك كثيرا ما تجد أن أحدهم قد يصنّف نفسه سريعا على أنه مصاب بالاكتئاب بسبب أدائه السيئ في الامتحانات مثلا، أو بسبب مشكلة في العلاقات مع شريك الحياة، أو لأن الظرف العام في البلاد بائس بعض الشيء، أو حتّى لأنه قد شاهد فيلما حزينا.
وهذا خاطئ، بل وضار جدا في الحقيقة، لأنه يدفع بالبعض إلى التعامل مع مصابي الاكتئاب الحقيقيين بقدر من الاستسهال وعدم التفهّم لحالاتهم، ما قد يتسبب بالضرر الشديد لهم، وهو الأمر الذي يدفع بالاكتئاب إلى التطور لمراحل أسوأ. مثلا، إحدى أخطر العادات -خاصة إن كان المريض بالاكتئاب هو أحد أفراد العائلة- هي أن تبدأ الأم مثلا بالتخفيف عن مصاب الاكتئاب بأن تقارن حالته بأوقات كان مزاجه فيها متعكرا وحزينا، هنا سيشعر بالإحباط والذنب الشديدين، لأن الاكتئاب -لتكن تلك هي أهم نقطة في هذا التقرير- شيء مختلف عن كل ذلك، لا يستطيع إدراكه بشكل واضح إلا من قام بتجربة مباشرة معه، الاكتئاب ليس حالة من الاضطراب وتعكر المزاج أو فقدان الدافع، لكنه مرض ذو رابط فيسيولوجي2يمتد تأثيره إلى جوانب جوهرية في حياة الواحد منّا.
ويمكن القول إن السمة الرئيسة لهذا الوحش الذي يُعدّ المساهم الأساسي في العبء العالمي الكلي للمرض، والذي يقتل كل عام ما يقارب3 800000 شخص من جراء الانتحار الذي يمثل ثاني سبب رئيسي للوفيات بين الفئة العمرية 15-29 عاما، تتمثل في استمرار الأعراض، فقد يغرق الواحد منّا في بحر من الأحزان مدة ساعات، أو يوم، أو أكثر قليلا، لكنه سيكون دائما قادرا على انتشال ذاته من ذلك البحر، أما المكتئب -على العكس من ذلك- فلا يستطيع إخراج نفسه من تلك الأعراض، ويُعدّ استمرارها مدة 15 يوما متتالية على الأقل علامة على احتياج الشخص إلى الذهاب إلى الطبيب، لكن ما تلك الأعراض؟
ثقب أسود في الذات
يمكن أن نجمل العلامات4 الرئيسية للاكتئاب في تسع نقاط، يُعدّ وجود خمسة منها بشكل واضح ومستمر مؤشرا على وجوب الحاجة إلى زيارة الطبيب. مثلا، سوف يعاني المصاب بالاكتئاب من مزاج منخفض معظم اليوم، ويستمر ذلك طيلة الأيام تقريبا، ويعبّر الإنسان عنه إما ذاتيا (مثل الشعور بالحزن أو بالفراغ أو اليأس)، وإما يُلاحظ من قِبَل الآخرين (مثل أن يبدو دامعا أو منعزلا)، من جهة أخرى يمكن أن نلاحظ انخفاضا واضحا في الاهتمام أو الاستمتاع في كل الأنشطة أو معظمها، خاصة تلك التي كان الشخص يستمتع بها من قبل بشكل طبيعي، وذلك في معظم اليوم، وفي كل يوم تقريبا.
من جهة أخرى فإن إحدى العلامات الرئيسية للإصابة بمرض الاكتئاب هي التغير الواضح في الوزن5، فإما أن يفقد المريض الوزن بشكل ظاهر بسبب امتناعه المستمر عن الطعام، وإما أن يصبح نهما للأكل بدرجة أكبر من المعتاد بشكل واضح، ويُعدّ التغير في الوزن -بالزيادة أو النقصان- لأكثر من 5% في الشهر مؤشرا على وجود الاكتئاب إذا اقترن مع الأعراض السابقة، خاصة مع استمرار انخفاض الشهية أو زيادتها كل يوم تقريبا.
أضف إلى ذلك أن أحد الأعراض6 الظاهرة للاكتئاب هي توتر نظام النوم الخاص بالمريض، والذي يظهر في صورة أرق شديد أو -على العكس تماما- فرط في نوم، وذلك كل يوم تقريبا، من جهة أخرى يقترن ذلك مع حالة من الهياج النفسي الحركي أو الخمول والكسل الشديد والامتناع عن ممارسة أي نشاط، بشكل يومي، وهذا أمر يسهل على الآخرين، في المنزل مثلا، ملاحظته، خاصة حينما يقترن مع حالات واضحة من الشعور المستمر بالتعب الجسدي أو الإرهاق أو فقد الطاقة.
وتسكن المريض بالاكتئاب أحاسيس واضحة7بانعدام القيمة مع شعور مفرط وغير طبيعي بالذنب، والذي قد يكون متوهما وغير حقيقي، وذلك كل يوم تقريبا، ولاحظ أننا، هنا، لا نتحدث عن مجرد لوم الذات أو شعور بالذنب العادي، ولكنها حالة قاسية مستمرة، ويؤثر ذلك كله بالطبع على انخفاض التفكير والقدرة على التركيز في النشاطات اليومية كالاستذكار، فتنخفض بشكل واضح، ويتسبب ذلك في عدم قدرة الشخص على اتخاذ قرارات عادية كان يتخذها بشكل طبيعي يوميا.
ثم أخيرا يُعدّ تأمل الشخص لأفكار متكررة عن الموت، أو التفكير في الانتحار، بشكل متكرر دون خطة محددة، أو بخطة محددة، أو محاولة الانتحار، أحد المؤشرات كذلك، ولاحظ أننا هنا لا نقصد الخوف الطبيعي من الموت، ولكن التفكير فيه، في موت الشخص نفسه، وهذه الأعراض -جميعها- تسبب للشخص المصاب بالاكتئاب انخفاضا واضحا في النشاط الاجتماعي أو في العمل، أو أي نطاقات مهمة أخرى، ويدفعنا هذا الأثر الأخير إلى تأمل عدة نقاط.
معا على الطريق
الأولى تتعلق بأكثر التعبيرات تكرارا أثناء سردنا السابق للأعراض الخاصة بالاكتئاب، وهي “كل يوم” و”معظم اليوم” و”واضحا”، فتلك الأعراض يمكن أن تصيب أي شخص منّا بدرجات متفاوتة من الشدة، ويمكن لشعور بسيط بالحزن أو اليأس أو الفتور أن يدفعك إلى تصور أنك مصاب بالاكتئاب، لكن أساسات تلك الأعراض تنبع من ذلك الوضوح وذلك الاستمرار شبه اليومي الخاص بها، بحيث تتسبب -كما قلنا- في انخفاض واضح في معدلات النشاط الكلي للفرد على كل المستويات.
أما الثانية فتتعلق بدور العائلة، والأصدقاء كذلك؛ فكما ترى، يمكن للمحيطين بك أن يلاحظوا بعض تلك الأعراض والتغيرات بوضوح، والمشكلة أن الشخص العادي قد يأخذ نحو عشر سنوات لاستيضاح أنه مصاب بالاكتئاب، سواء لأنه لم يتبيّن الأعراض، أو -الأهم من ذلك- لأنه قد يُنكر ذلك على نفسه ويستمر مكافحا بشكل يائس ضدها، أو لأنه يخجل من الاعتراف بالأعراض، وهو أحد أكثر وأهم الأسباب التي تؤجل خضوع الناس للعلاج.
هنا يكون للعائلة والأصدقاء8 دور قوي في ملاحظة تلك الأعراض على الابن أو الصديق مثلا، ثم، وهو ما يهم بدرجة أكبر، محاولة إقناعه بالذهاب إلى الطبيب النفسي من أجل حل المشكلة، ثم، بدرجة مهمة أيضا، توضيح أن الاكتئاب ليست حالة يمكن أن تُعالج وحدها، هل مثلا يمكن لكسر في الذراع أن يلتئم وحده دون تدخل طبيب؟ بالطبع لا، أضف إلى ذلك دورهم في توضيح أن الاكتئاب مرض كباقي الأمراض، بالتالي فإن معاناة المصاب بالاكتئاب وما ينتج عنه من سلوكيات لا تعبر عن شخصيته الحقيقة، وأن ذلك هو طبعه، لكن شخصيته الحقيقية منفصلة عن تلك السلوكيات الممثلة لهذا المرض، في الحقيقة يمكننا ملء كتاب كامل يشرح الدور الفعال للغاية للأهل في علاج المريض، ولا ننتهي.
من جهة أخرى دعنا نوضح أن وجود مجموعة من تلك الأعراض التي تحدثنا عنها تعني -فقط- الحاجة الضرورية إلى الذهاب إلى طبيب، وهنا دعنا نعطي ما يشبه التحذير، فالشخص الوحيد الذي يمكن له الإقرار أنك، أو أي شخص آخر، مصاب بالاكتئاب، وتحديد نوع هذا الاكتئاب ودرجاته وارتباطه بحالات أخرى، ثم العلاج المناسب له، هو الطبيب المختص بالتشخيص، وذلك لأن المعايير الذاتية الخاصة بنا غالبا ما تعطي تقييمات مبالغة، أو ربما تقلل من شأن تلك الأعراض، والفكرة أن وجود مجموعة منها قد يعني أن هناك شيئا ما يستحق العلاج، علما بأن إحدى أهم مشكلات الاضطرابات النفسية كالاكتئاب هي أنه كلما تأخر التعامل معها ازدادت قسوة وتفرعت في اضطرابات أخرى.
في النهاية دعنا نوجه رسالة بسيطة إلى الأصدقاء المصابين بالاكتئاب: يوما بعد يوم تتطور قدرة الأطباء على علاج الاكتئاب، حاليا أصبح العلاج المعرفي السلوكي9 (CBT)، الذي يعمل على تعديل السلوك والأفكار الجوهرية، جزءا رئيسيا من الخطة العلاجية بجانب الأدوية، وكان هذا التحالف سببا في ارتفاع نسب العلاج بدرجات غير مسبوقة خلال الأعوام الفائتة، بجانب ذلك فإن هناك عشرات الآلاف من الباحثين حول العالم يبذلون كل الجهد بشكل يومي لتطوير آليات جديدة لعلاج الاكتئاب، لذلك لا تقلق، لا تيأس، قاوم، واستمر في البحث عن علاج، فالنجدة قادمة.
المصدر / ميدان الجزيرة شادي عبد الحافظ
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.